Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

محمد عزيز الحبابي فيلسوفا

لقد عمل محمد عزيز الحبابي عبر عمله الفلسفي على إبراز الوجه الحقيقي للفلسفة بكونها حوارا وتأملا في واقع الإنسان، ولقد عاشت معه الفلسفة بالمغرب لحظة من لحظات جلالها وسموها..

ما الإنسان؟ وكيف يصبح الكائن البشري إنسانا حقا؟ أي طريق يجب أن يسلكه ليكتسب هويته الإنسانية؟ هذا هو السؤال المركزي في فلسفة محمد عزيز الحبابي خصوصا من خلال كتابيه: “الشخصانية الإسلامية“، و”من الكائن إلى الشخص“..

من خلال هذا السؤال، يحاول عزيز الحبابي عبر “شخصانيتة الواقعية” أن يحلل المسار الذي يبدأ من “الكائن” الذي يتعالى على نفسه ليتحول إلى “شخص” ثم إلى “إنسان” .فالكائن هو المعطى الخام الذي يحتوي على كائنات ممكنة لا نهائية، لأن الشخصية اتجاه متوتر نحو الشخص الذي هو، في جوهره، فعالية وسير إلى الأمام بحيث يحدد خطوات الكائن، في هذا السير، إيقاع حركة التّشخصُن.

وهي صيرورة ليست في حقيقتها إلا “نفيا في حركة دائمة لأنها ترفض أن تنحصر إلى الأبد، في هذا الشيء أو ذاك، فهي صيرورة لا نهائية، ووسائل لتجاوز الذات بالذات” (الحبابي، من الكائن إلى الشخص). إنها تفاعل جدلي بين الإنسان والطبيعة وفق منظور كوني، لأن الذات لا تطمئن إلى شخصيتها الحالية ولا تقنع بأي وجود منحصر في الحاضر..

وترمي هذه الصيرورة  إلى الكمال في تصاعدها نحو الإنسان، الذي هو التفتح الكامل للأنا، والتحقق الأقصى للإمكانات التي يحتويها.

يقول الحبابي: “إن هناك، من وراء الشخص ذي الوجود الحالي، الإنسان الذي يتوق هذا الشخص إلى تحقيقه” (من الكائن إلى الشخص).. ويجري التّشخصُن في ثلاث مراحل تختلف حدتها على حسب كثافة الأنا:  تعيش الشخصية (الكائن) في اللحظة الحالية، بينما الشخص يذهب إلى أعمق من ذلك مفكرا في ذاته داخل الديمومة، أما الإنسان فله هيبةٌ تجعله يصبو إلى المطلق…

محمد عزيز الحبابي فيلسوفا

ولا يتم التّشخصُن إلا بتدخل ذوات أخرى، وبالخضوع المستمر للعلاقات، فالأنا هبة من الآخرين.. وإن أفقنا هو مجال تأثيرنا في الإنسان و في الكائنات الحية، وهو فضاء ومجال تشخصننا، يتسع ويغتني بقدر ما نفتح شعورنا على العالم.. “لا بد أن نعتبر المَعِية قاعدة للتّشخصُن: الفرد لا يتجاوز فرديته نحو الشخص إلا مع الآخرين، فهو بطبيعته أُلفة وتواصل“..

والتواصل  إذن، أساس التّشخصُن، وأساس كل فلسفة شخصانية.. والتواصل لا يتم حقا إلا بالحب؛ لأن أفقنا لا يحيا إلا إذا قام على حب (الحبابي، الشخصانية الإسلامية)..هنا نجد أنفسنا مع عزيز الحبابي قد وصلنا عتبة قصوى من التفكير الفلسفي، تصهر الشخصية الإنسانية في العالم بحثا عن تناغم كوني عبر “تيمة الحب“..

 ويعيش الحبابي تجربة تشخصن فريدة من نوعها في مجمل فلسفته ونتاجاته. وعندما يصل إلى مرتبة “الشخص” متخطّياً “الكائن” يصل إلى “تحرّر وشيء من القلق“، ويزداد وضوح ومتانة مفهوم الشخص الحي بقدر ما تتعدّد مصادر الضياء الذي يلقى عليه.. و تتسع رحابة مفهوم الإنسان عند عزيز الحبابي بعد القرار المبدئي الذي يعلن بموجبه أن تبنّي مثل هذا الخط الفلسفي ليس هدفه الاستغراق في التأمل الذاتي، بل هو مسار عمل شاق  في واقع يحتاج إلى إنقاذ..

يقول الحبابي: “إننا في عالم نخلقه، ولكن كل شيء في العالم يحتم علينا أن نبدعه في حلّة جديدة ، فنحن نلاحظ العالم ثم نغيّره، بل نلاحظه لنغيره…

فكل نظرة نلقيها إلى العالم لهي بداية فعل جديد أو نسق تتولّد فيه أفعال أخرى، إذ يتحتّم علينا أن نكون عاملين نصنع ونصلح وننسق وننظم” (من الكائن إلى الشخص) فالحبابي لا يدعنا نهدأ لحظة، يدخلنا  في عوالمه من خلال العقل الواعي الذي بفضله يكون الإنسان مع الله ويصبح إنساناً آخر له كثافته الأنطولوجية.. مخلوق هو، لكنه  يساهم في كينونة العالم…

والفلسفة لا تكون إلا من خلال تجلي هذه الكيفية العالية الوعي (الإنسان) واكتمال معناه من خلال انفتاحه على ما بعده، من خلال ديمومة الفعل الخالق المشخّص.. فهذه الفلسفة توجيهية منفتحة على كامل شعاب الإنسانية وجهاتها، مادامت تُعَدّ فلسفةً تخطُّ للفكر أسسه ومناهجه الواضحة المعالم..

رحم الله محمد عزيز لحبابي وجازاه عن الإنسانية خيرا.

والله الموفق للخير والمعين عليه

أرسل تعليق