Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

محمد بن عبد العظيم الأزمُّوري

      كنت قد كتبت مقالا في جريد ميثاق الرابطة (عدد 17) ضمن سلسلة “علماء وصلحاء” حول العالم الصوفي الفاضل أبو عبد الله أمغار شيخ “رباط تيط” قرب مدينة الجديدة، وأبرزت فيه أهمية هذا الرجل في بث أخلاق العلم والصلاح في عصره؛ وفي هذه المقالة سنتعرف عن جوانب أخرى من مدرسة آل أمغار عبر كتاب مخطوط نفيس هو “بهجة الناظرين وأنس الحاضرين” للعلامة المؤرخ محمد بن عبد العظيم الأزموري الأصغر. ومن تم فهدفنا في هذه المقالة مزدوج: التعرف على الكتاب وصاحبه وسياقه التاريخي، من جهة، والتعمق أكثر في فهم الدور الريادي الذي اضطلع به آل أمغار في منطقة دكالة خصوصا والمغرب عموما..

      حول أهمية كتاب “بهجة الناظرين وأنس الحاضرين للأزموري” يقول محمد المازوني في دراسته: “رباط تيط: من التأسيس إلى ظهور الحركة الجزولية” (ضمن: الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية-الرباط- 1997) أنه: “بالرجوع إلى ما توفره لنا المصادر المغربية، نلاحظ أن أخبار رباط تيط جاءت في الغالب الأعم مجرد تلميحات هامشية عارضة إذ لم نتبين، في أي مصدر مغربي، ما يكفي لمعرفة أوليات هذا الرباط وأدواره الصوفية والعلمية. فأغلب مشاهدات المؤرخين وأوصاف الرحالة كانت محدودة الفائدة وضنينة القيمة، باستثناء مؤلف وحيد هو “بهجة الناظرين” للأزموري الذي بادر صاحبه إلى لم ما بقي في ذاكرة الصنهاجيين (صنهاجة آزمور)، وما ورد في مؤلفات ذات قيمة ثانوية (ضاع أغلبها)، ليكتب عن تاريخ الرباط وشيوخه المبرزين.. بصرف النظر عن هذا الاستثناء، لا نملك أي سبب واضح لتفسير هذا الإهمال والتقصير من طرف المؤرخين المغاربة، اللهم إذا اعتبرنا أن مصادر الأزموري، وهي كثيرة، حسبما ورد في كتابه “بهجة الناظرين”، كانت تندرج ضمن تلك المصنفات التي وقع تهميشها، بسبب الاهتمام الذي لقيه صنف جديد من المؤلفات، ابتداء من العصر المريني، وهي مصنفات تهم الأسر الشريفة والأولياء والبيوتات الكبرى، والتي حظيت بعناية الفقهاء والعلماء والنسابة..”.

      قال محمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه “من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني” (مطبعة النجاح الجديدة، 1992: ص 269) أن كتاب “بهجة الناظرين وأنس الحاضرين”: “يتحدث عن الشرفاء الحسينيين آل أمغار، الذين كانوا يسكنون بزاوية “عين الفطر” قرب مدينة أزمور، والذين كانوا يمثلون ظاهرة صوفية عملية، قائمة على نشر العلم وإقرار السنة المحمدية، ومحاربة الانحرافات العقائدية…

      وقد حظيت هذه الزاوية في إطارها التاريخي بتقدير جل الدول التي تعاقبت على المغرب في عهدهم، نظرا لموقفهم الشريف واعتقادهم الطاهر، ونظرا لالتزامهم بمبادئهم التي قاموا عليها، فنحن نرى في الكتاب بعض الظهائر والرسوم، وبعض الرسائل الرسمية التي أثبتت انتسابهم لذرية النبي صلى الله عليه وسلم، والتي أوصت بهم خيرا، أو التمست منهم دعاء صالحا، أو أعفتهم من بعض الجبايات المفروضة نظرا لما يقومون به من عمل بنّاء في توجيه الرأي العام نحو العلم والعمل.. كان ذلك ابتداء من الدولة الزناتية اليفرانية حيث نجد رسالة موجهة إلى إسحاق بن إسماعيل الأمغاري من لدن الأمير تميم بن زيري بن يعلى، ثم استمر ذلك من بعده، فنجد في الكتاب بعض الرسائل أو الرسوم، من علي بن يوسف بن تاشفين أثناء عهد المرابطين، وبعض الرسائل مما كتبه أبو العلاء إدريس بن أبي عبد الله محمد بن السيد أبي حفص عمر بن عبد المؤمن وهو المعروف بأبي دبوس، أيام عهد الموحدين، ومما كتبه يوسف بن يعقوب المريني من بعده في عهد المرينيين..”.

      ومخطوط “بهجة الناظرين وأنس الحاضرين” للأزموري مرقم بالخزانة الوطنية بالرباط تحت رقم 3770، وهي النسخة التي اعتمد عليها الباحث صباح إبراهيم الشيخلي في دراسته حول “آل أمغار”، وهي دراسة في تركيب وبناء المجتمع العربي الصنهاجي في مدينة أزمور في القرن الخامس الهجري، وقد نشرت الدراسة في “مجلة البحث العلمي” الغراء (عدد 33، نونبر 1982). وقد لاحظ الأستاذ محمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه “من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني، ص: 271) أن الأستاذ صباح الشيخلي نسب كتاب “بهجة الناظرين وأنس الحاضرين” لمحمد بن عبد العظيم الأزموري الأكبر الذي قال عنه أنه كان معاصرا للسلطان المريني أبي سعيد عثمان المتوفى سنة 731هـ. والظاهر أنه نقل هذا التاريخ من التعليق الذي كتبه الأستاذ أدولف فور محقق كتاب “التشوف” حين ترجمته لمحمد بن عبد الله أمغار، فقد تعرض في ذلك التعليق لكتاب “بهجة الناظرين” ونسبه لمحمد بن عبد العظيم الأزموري الأكبر وهو سهو واضح، ولو تأمل السيد الشيلخي لتبين له خطأ هذه النسبة ولتحقق بأن هناك شخصين كل منهما يسمى بنفس الاسم: الأكبر وهو مؤلف الكتاب الموسوم بـ “الأخبار في كرامات الشرفاء بني أمغار” وكان حيا أيام أبي سعيد عثمان المريني. ووجب التنبيه إلى أن كتاب “الإخبار في كرامات الشرفاء بني أمغار” نسبه غير واحد لمحمد بن عبد العظيم الأزموري الأصغر صاحب “بهجة الناظرين”، لكنه في الحقيقة من تأليف الأزموري الأكبر… وتوجد نسخة من مخطوط “بهجة الناظرين” بخزانة جامعة القرويين تحت رقم 871، وتوجد من نفس الكتاب مخطوطات عديدة في الخزانات المغربية، منها نسخة بالخزانة الحسنية مسجلة تحت رقم 1358، وقد قام بوصفها الأستاذ الفاضل محمد عبد الله عنان في الجزء الأول من فهرس الخزانة الملكية المطبوع سنة 1980، وفيه ذكر للمحتوى الذي يكاد يكون نفس المحتوى الذي ذكره الأستاذ محمد العابد الفاسي حول نسخة القرويين من “بهجة الناظرين”،وتوجد نسخة من المخطوط بالخزانة المحجوبية بقبيلة رسموكة بمنطقة تزنيت، ونسخة أخرى بمكتبة “آل سعود” بالدار البيضاء….

      يقول محمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه سابق الذكر (ص: 271): “ويبدو مما سجله في كتابه أنه كان محبا لآل أمغار محبة عظيمة، يتبرك بذكرهم ويشير إلى آثارهم ويتتبع خطاهم في جل ما قاموا به من أعمال.. ورغم كونه كان ينشر بعض الرسوم المتعلقة بهم الصادرة عن مختلف الدول التي تحدثنا عنها سابقا؛ فإن أهم مرسوم كانت له به العناية الكبرى، كان هو المرسوم الصادر عن يوسف بن يعقوب المريني، نظرا لقيمته التوثيقية، ولما يحتوي عليه من الشهود المختلفين، الذين أدوا شهادتهم لدى القاضي عبد الله بن أحمد بن عبد الله البرغواطي قاضي أزمور في حينه، ذلك عام 696هـ (الورقة رقم 7 من المخطوط).. وتنص هذه الوثيقة نصا صريحا على صحة انتسابهم، وقد أقر هذه النسبة جل المؤرخين المغاربة، ومن بين الذين ذكروها ذكرا يقينيا العلامة محمد بن جعفر الكتاني في الجزء الثاني من “السلوة”.. وقد علق الأستاذ محمد بن عبد العزيز الدباغ بشكل نقدي على منكري النسب الأمغاري بقوله: (ص: 273): “وعليه فلا معول على من أنكر نسبتهم أو على من ظن أنها لم تلحق بهم إلا لأغراض سياسية؛ لأن الإنكار لا مبرر له ولا حجة عليه، ولا يؤيده دليل، وليس من المعقول ربط الموازنة بين المغالاة في إثبات الكرامات لهم وبين إثبات النسبة الشريفة لهم ليجعل ذلك مدعاة إلى النفي والإنكار”..

      وقد نبه بن عبد العظيم الأزموري في “بهجة الناظرين” أن آل أمغار” كانوا مقربين عند صنهاجة أزمور، وأنهم جاوروهم وصاهروهم فصاروا يعرفون بالصنهاجيين نظرا لهذه المصاهرة والمجاورة، فليس مرجع الانتساب إليهم ناتج عن تولد منهم، وإنما مرجعه إلى المصاهرة المذكورة سابقا.. ويتساءل الأستاذ الدباغ على أي مصدر اعتمد الأستاذ أحمد بوشرب في كتابه حول دكالة حينما ذكر أن الأمغاريين وأبناء أبي محمد صالح الماجريين قد أعطوا لأنفسهم أنسابا شريفة مع أن بربريتهم لا غبار عليها.. (ص: 272)…

      وفي قراءة تأويلية لسياق التقارب الأمغاري الصنهاجي يفيدنا محمد بن عبد العزيز الدباغ بقوله (ص: 272): “في إطار الرغبة الملحة القائمة على إنصاف الأشراف ومحبتهم والتبرك بهم، والمبنية على محاربة السياسة السابقة التي كانت في عهد موسى بن أبي العافية، يمكننا أن نربط التواصل الحاصل بين الشرفاء الحسينيين آل أمغار وبين صنهاجة أزمور، ثم زادت هذه العلاقات متانة حينما برز في هذه الأسرة أعلام لهم وزنهم العلمي والأخلاقي..”.

      ومن المصادر التي أشار إليها محمد بن عبد العظيم الأزموري واستفاد منها “كتاب الوسائل والزلفى” لأبي عمران الزناتي، وكتاب “مطالع الأنوار في كرامات أسلاف بني أمغار” للفقيه أبي عمران بن عيسى الهنائي، وكتاب “تحفة الأصفياء في تعريف الأولياء”، وله أيضا كتاب “الأخبار في كرامات الصالحين بني أمغار” للشيخ الفقيه محمد بن عبد العظيم الأزموري الأكبر، وكتاب “تنقيح الأخبار في كرامات الصالحين بني أمغار” الذي لم يعزه الأزموري إلى أحد. وذكر الأستاذ عبد السلام بن سودة في كتابه “دليل مؤرخ المغرب الأقصى” أن هذا الكتاب وأمثاله من الكتب المؤلفة في مناقب آل أمغار والتي لم تعز لمؤلف معين قد تكون للتجيبي وقد تكون للتادلي مؤلف “التشوف” وقد تكون لمحمد بن عياض، ذلك أن هؤلاء كان قد أشار إليهم ابن عسكر في “دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر” وذكر أنهم قد ألفوا كتبا في ذكر هذا البيت الشريف..

      وقد أفادنا الأزموري رحمه الله بمعلومات تاريخية بالغة الأهمية حول أسرة آل أمغار، فهو يقول مثلا أن جد آل أمغار الذي أتى إلى المغرب في القرن الرابع الهجري كان يسكن بالمدينة المنورة وهو إسماعيل أمغار، ثم انتقل إلى جدة، ومنها انتقل مع أخوين له فاستوطن بموضع بساحل البحر وهو الذي سمي برباط “عين الفطر” قرب أزمور.. وذكر الأزموري أن الموضع الذي أقام به إسماعيل كان ملكا لقبيلة جدالة إحدى أشهر القبائل الصنهاجية، وقد لاحظ الصنهاجيون وجود هذا العابد فأعلموا بذلك قائدهم عبد العزيز بن بطار الذي أعجب بشخصية إسماعيل الذي صارت بينه وبين حيوانات المنطقة ألفة، فاقترح عليه أن يزوجه ابنته فقبل، وأصبحت هذه المصاهرة ذات فعالية في خلق انسجام بين الشرفاء الأمغاريين وبين صنهاجة أزمور حتى أصبحوا يعرفون أحيانا بالشرفاء الصنهاجيين نتيجة التجاور والمصاهرة.. ويستمر الأزموري في تتبع هذه الأسرة ليخبرنا أن إسماعيل ولد له ولد سماه إسحاق، وقد نشأ في طلب العلم واستبطان الصلاح، وقد خلف والده في القيادة الروحية والفكرية للقبيلة الصنهاجية.. ولا شك أن لقب أمغار الأمازيغي بامتياز اكتسبته الأسرة لما استقرت في المجال الصنهاجي بمنطقة آزمور وفق ما تقتضيه طبيعة الأشياء، وهذه مسألة مفهومة في سياقها بلا مراء..

      ومعلوم أن فترة إسماعيل وولده إسحاق مزامنة لحكم المغراويين بفاس واليفرنيين في شالة.. وقد سجل لنا ابن عبد العظيم في كتابه النفيس رسالة بعث بها الأمير أبي الكمال تميم بن زيري ابن معلى اليفرني دفين شالة إلى أبي جعفر إسحاق بن إسماعيل بن أمغار، يقول فيها (ورقة 25): “من عبد الله المتوكل عليه، المفوض أمره إليه، ابن الأمير أيده الله بنصره، إلى أبي جعفر اسحق بن الشيخ الولي ذي المآثر الشريفة، والمراتب الدينية المنيرة، المشرفة بالسعادة الدنيوية والأخروية ونفائس الكرامات العظمى، والسجايا العلوية الحسانية المذهبة للظمأ، أبا عن أب، عن سلفه الصالح المنتمي بالبنوة، إلى مراتب النبوة، قطب المدار، إسماعيل أمغار.. فقد كتبت لكم معلما بما يلي في جنابكم من الاعتقاد، وخلوص المحبة وحفيل الوداد، وإني راغب بأن استظل بظل عنايتكم، وأحظى ببركتكم (..) فإن الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، رأيت أفضل ما يقربني إليه خلوص محبتكم، وتوقيركم على الدوام والاستمرار” ولا شك أن هذا “التحالف” بين بني يفرن وآل أمغار يفصح عن نوايا الدولة الزناتية اليفرنية من أجل تضييق الخناق على الخصم العنيد المتمثل في الإمارة البرغواطية التي كان مجالها الحيوي يتركز بمجال دكالة حيث استقر الأمغاريون..

      نعرف كذلك من الأزموري أن إسحاق بن إسماعيل كان قد استقر بمدينة أيير (الغالب أنها الواليدية اليوم أو منطقة قريبة منها)، واستطاع خلال هذه الفترة أن ينشر الكثير من آرائه الإصلاحية، وأن يؤثر في حياة الناس.. ويرى الأستاذ محمد الدباغ (ص: 279) أن “موقف الأمغاريين من نشر العقيدة السلفية ومؤازرة الدولة اليفرانية كان من أسباب التمهيد لانتصار دولة المرابطين فيما بعد..

      ثم يخبرنا الأزموري عن بعض أخبار الإمام أبو عبد الله محمد أمغار بن إسحاق، وقد تحدث عنه بإجلال وتقدير، ونقل بعض النصوص المتصلة بحياته فقال نقلا عن كتاب “أنس العارفين” وهو من الكتب التي اعتمد عليها ولم يعزُها لأحد: “اتفق الجم الغفير والخلق الكثير أن الشيخ أبا البدلاء أبا عبد الله محمد الشريف بن أمغار هو شيخ المشايخ في عصره، وهو شيخ الولي أبي شعيب أيوب، وأبو شعيب شيخ الولي الشهير أبي يعزى، وأبو يعزى شيخ الولي الذي شاعت فضائله وكراماته أبي مدين التلمساني، وأبو مدين شيخ الولي أبي محمد صالح الماجري الدكالي نفع الله ببركاتهم…” ويكفي الإمام أبي عبد الله أمغار أن العلامة ابن رشد الجد لما لاحظ تردد علي بن يوسف بن تاشفين في تطبيق فتواه حول إقامة سور حول مدينة مراكش أشار على الملك المرابطي أن يستشير أبا عبد الله أمغار لعلمه وصلاحه ورجاحة عقله، وهذا دليل على الوضع الاعتباري الذي كان يحظى به أبو عبد الله بن أمغار، وقد سبق أن فصلت القول حول هذا العالم الفاضل في مقالة بجريدة ميثاق الرابطة (عدد 17) فلتنظر في موضعها…
ثم يحدثنا الأزموري عن أخبار أبي عبد الخالق بن أبي عبد الله أمغار وما ناله من الحظوة خلال العصر الموحدي.. وينفرد الأزموري برواية نفيسة حول بيعة الناصر الموحدي بمراكش. فإذ كان متداولا في الكتابات التاريخية أن الناصر بن المنصور الموحدي بويع له في حياة والده، ثم جددت له البيعة بعد وفاة يعقوب المنصور عام 595هـ وهو مقيم بمراكش قبل أن ينتقل إلى فاس آخر السنة المذكورة كما في كتاب الاستقصا (ج 2، ص: 214)، لكن الأزموري في “بهجة الناظرين” يذكر خلاف هذا، فهو ينقل عن كتاب “أنس العارفين” أن “الناصر حين وفاة والده كان بمدينة اشبيلية وأن أبا عبد الخالق الأمغاري كان يشيع بين الناس أن الخلافة ستكون للناصر ولن تكون لأي واحد من أبناء المنصور الآخرين المقيمين بالحضرة، وأن خبره هذا قد ذاع بين الناس حتى وصل الناصر، فكتب إليه يستفسره عن رأيه فأيده، وجاء الناصر حينئذ إلى مراكش فتنازل له إخوته هناك وجعلوه الخليفة لوالدهم”.

      بقيت مسألة أود الإشارة إليها وهي ما يمكن تسميته “بالمشروع التنموي” الذي اضطلع به آل أمغار في منطقة دكالة عبر تبني سياسة عمرانية تسعى إلى إصلاح أحوال الناس وتيسير حياتهم، وقد تجلى ذلك بوضوح جلي على عهد أبي إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن بن أبي عبد الخالق. فقد ذكر الأزموري في “بهجة الناظرين” أن هذا الشريف الأمغاري “حبس في سبيل الله عز وجل ثلاثين موضعا بين أراضي الحرث وجنات من أعناب ومحلات زرع وولجات على ضفة البحر، حتى أنه إذا سمع هناك أرضا ابتكرت غلتها قال هي حبس في سبيل الله، زيادة على ما يصرفه في بنيان المساجد وبنيان القناطر وتسهيل الطرقات والإكثار من الصدقات وفك العاني وغير ذلك من المصالح (ورقة 76).. وهذا مبحث لطيف حول دور العلماء والصلحاء في محاربة القفر والخلاء وجلب النماء وتأسيس المدن، وهذا يدل على علاقة جدلية ربطت العلم والصلاح بالعمران في هذا البلد المبارك..

      توفي صاحبنا الأزموري بمدينة أزمور بعد سنة 900هـ، ودفن بها، رحمه الله؛ والمؤسف أن جريدة العلم المغربية (عدد: 16-5-2009) نشرت خبرا مفزعا يخص قبر العلامة الأزموري، يقول محمد الماطي صاحب الخبر: “أقدمت بعض الجهات على عمل شنيع يتجلى في محو إحدى المعالم الأثرية الهامة في تاريخ المغرب بمدينة أزمور، إذ لجأت هذه العناصر إلى إتلاف قبر للمؤرخ ابن عبد العظيم الأزموري دفين مدينة آزمور وصاحب كتاب بهجة الناضرين وأنس العارفين”.. وقبر العلامة الأزموري يوجد أمام الحبس القديم المهدم قدوما من دار القاضي بطريق المصلى، ويضيف صاحب الخبر أن جهات معينة تسعى إلى بناء سكن إداري فوق قبر المؤرخ الأزموري، وقد أنشئ بجانب القبر الحقيقي للمؤرخ ابن عبد العظيم الأزموري الذي تم محو آثاره أثناء عملية هدم السجن المحلي القديم قبر جديد وهمي والأمر لله…

      جازى الله المؤرخ الفقيه بن عبد العظيم الأزموري عن أزمور والمغرب خيرا، وقد حق لأزمّور العريقة أن تحتفي به حفظا لذاكرة الأمة لا أن تمحو آثار قبره، والله الموفق للخير والمعين عليه..

التعليقات

  1. جمانة التستري

    السلام عليكم
    أستسمحك عذرا أخي بلال ولكني لم أفهم مضمون تعليقك..

  2. بلال لعريبي

    أستسمحك سيدي ومولاي
    لي بعض المواضيع الخاصة بالتاريخ الإسلامي في فترة تاريخ الوسيط المنشورة في بلادهم وغير المنشورة مثل الموحدين والمرابطين والمدن والجيش..
    فاس- رباط- أكادير… وغيرها
    شكرا مسبقا

أرسل تعليق