Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دعاء إبراهيم.. (2)

قال عز وجل “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ اَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” [إبراهيم، 39].

هذا دعاء آخر من نبي الله إبراهيم عليه السلام، افتتح بالنداء، وذلك زيادة في التضرع لله عز وجل. والملاحظ أن لفظ الرب هنا أضيف إلى ضمير الجمع على خلاف ما ورد في سابقيه كما في قوله: “رب اجعل هذا البلد آمنا” وقوله: “رب إنهن أضللن كثيرا من الناس“.

دعاء إبراهيم.. (2)

و على كل حال سيق هذا الدعاء بعد زمان من بناء الكعبة، و من ثم مهدإبراهيم دعاءه هذا بالإقرار بأنه أسكن بعض ذريته، ممثلا في إسماعيل عليه السلام  في مكة. دليل ذلك قوله تعالى: “الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق” فالواد في الآية هو الأرض بين الجبال، وهو وادي مكة. أما غير ذي زرع فهي صفة للوادي إذ هو مكون من الحجارة التي لا تصلح للنبت. قال الإمام بن عاشور رحمه الله: “المحرم الممنع من تناول الأيدي إياه بما يفسده أو يضر أهله بما جعل الله له في نفوس الأمم من التوقير والتعظيم، وبما شاهدوه من هلكة من يريد فيه بإلحاد بظلم وما أصحاب الفيل منهم ببعيد[1]. 

لقد طلب إبراهيم من الله عز وجل في هذا الدعاء أمرين:

1. يتمثل الأمر الأول في قوله: “فَاجْعَلْ اَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ“. أي تريدهم أو تسرع إليهم. والأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب.

2. ويتجسد الأمر الثاني في قوله: “وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ“.

وفي مقابل ذلك هذا الإنعام يكون الشكر لقوله تعالى: “لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ“. قال الرازي: “المقصود للعاقل من منافع الدنيا أن يتفرغ لأداء العبادات وإقامة الطاعات، فإن إبراهيم عليه السلام بين أنه إنما طلب تيسير المنافع على أولاده لأجل أن يتفرغوا لإقامة الصلوات وأداء الواجبات[2].

روي من حديث عن ابن عباس أنه قال: “إنّ أوّل من سَعى بين الصَّفا والمروة لأم إسماعيل، وإن أوول ما أحدث نساء العرب جرّ الذيول لمن أمّ إسماعيل، قال: لما فرّت من سارة، أرخت من ذيلها لتعفي أثرها، فجاء بها إبراهيم ومعها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت ، فوضعهما ثم رجع، فاتبعته، فقالت: إلى أيِّ شيء تكلنا؟ إلى طعام تكلنا؟ إلى شراب تكلنا؟ فجعل لا يردّ عليها شيئا، فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا قال: فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كَدَاء، أقبل على الوادي فدعا، فقال: “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ اَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ” قال: ومع الإنسانة شَنَّة فيها ماء، فنفِد الماء فعطشت وانقطع لبنها، فعطش الصبيّ، فنظرت أيّ الجبال أدنى من الأرض، فصَعِدت بالصفا، فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا؟ فلم تسمع، فانحدرت، فلما أتت على الوادي سعت وما تريد السعي، كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي، فنظرت أيّ الجبال أدنى من الأرض، فصَعِدت المروة فتسمعت هل تسمع صوتا، أو ترى أنيسا، فسمعت صوتا، فقالت كالإنسان الذي يكذّب سمعه: صه، حتى استيقنت، فقالت: قد أسمعتني صوتك فأغثني، فقد هلكتُ وهلك من معي، فجاء المَلك فجاء بها حتى انتهى بها إلى موضع زمزم ، فضرب بقدمه ففارت عينا، فعجلت الإنسانة فجعلت في شَنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رَحِمَ اللهُ أُمَّ إِسْماعيلَ لَوْلا أنَّها عَجِلَتْ لَكانَتْ زَمْزَمُ عَيْنا مَعِين[3].

——————————————–

1. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 13، ص: 241.

2. مفاتيح الغيب، ج: 19، ص: 112.

3. تفسير الطبري ج سورة إبراهيم ص: 260، وينظر القصة في صحيح البخاري، كاب المساقاة، باب من رأى أن صاحب الحوض والقرية أحق بمائه، رقم: 2268.

أرسل تعليق