Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حقوق الطفل في الإسلام.. (3)

تحسين أخلاق الأطفال

الأخلاق هي تمرة الاعتقاد الكامل لله سبحانه وتعالى والإقرار بنبوة رسوله الكريم.. لذلك اهتم علماء المسلمين بأمر تحسين أخلاق الصبيان وممن أفردوا لهذا الموضوع بابا خاصا نجد الإمام  الغزالي رحمه الله في كتابه إحياء علوم الدين، وجعل عنوانه “بيان الطريق في رياضة الصبيان في أول نشوئهم ووجه تأديبهم وتحسين أخلاقهم” ومما قال رحمه الله “اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها والصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه وكل معلم له ومؤدب وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزير في رقبة القيم عليه والوالي له، وقد قال عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا” [التحريم، 6]..ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى وصيانته أن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعود التنعم، ولا يحبب إليه الزينة والرفاهية فيضيع عمره في طلبها إذا كبر فيهلك هلاك الأبد بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره[1].

حقوق الطفل في الإسلام.. (2)

وقد أورد الإمام ابن القيم في هذا المضمار كلاما نفيسا يقول رحمه الله: “وَمِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الطِّفْل غَايَة الِاحْتِيَاج الاعتناء بِأَمْر خلقه، فَإِنَّهُ ينشأ على مَا عوده المربي فِي صغره من حرد وَغَضب ولجاج وعجلة وخفة مَعَ هَوَاهُ وطيش وحدة وجشع فيصعب عَلَيْهِ فِي كبره تلافي ذَلِك وَتصير هَذِه الْأَخْلَاق صِفَات وهيئات راسخة لَهُ فَلَو تحرز مِنْهَا غَايَة التَّحَرُّز فضحته وَلَا بُد يَوْمًا مَا، وَلِهَذَا تَجِد أَكثر النَّاس منحرفة أَخْلَاقهم وَذَلِكَ من قبل التربية الَّتِي نَشأ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ يجب أَن يتَجَنَّب الصَّبِي إِذا عقل مجَالِس اللَّهْو وَالْبَاطِل والغناء وَسَمَاع الْفُحْش والبدع ومنطق السوء، فَإِنَّهُ إِذا علق بسمعه عسر عَلَيْهِ مُفَارقَته فِي الْكبر وَعز على وليه استنقاذه مِنْهُ، فتغيير العوائد من أصعب الْأُمُور يحْتَاج صَاحبه إِلَى استجداد طبيعة ثَانِيَة، وَالْخُرُوج عَن حكم الطبيعة عسر جدا، وَيَنْبَغِي لوَلِيِّه أَن يجنبه الْأَخْذ من غَيره غَايَة التجنب، فَإِنَّهُ مَتى اعْتَادَ الْأَخْذ صَار لَهُ طبيعة وَنَشَأ بِأَن يَأْخُذ لَا بِأَن يُعْطي ويعوده الْبَذْل والإعطاء، وَإِذا أَرَادَ الْوَلِيّ أَن يُعْطي شَيْئا أعطَاهُ إِيَّاه على يَده ليذوق حلاوة الْإِعْطَاء، ويجنبه الْكَذِب والخيانة أعظم مِمَّا يجنبه السم الناقع فَإِنَّهُ مَتى سهل لَهُ سَبِيل الْكَذِب والخيانة أفسد عَلَيْهِ سَعَادَة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَحرمه كل خير، ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة، بل يَأْخُذهُ بأضدادها وَلَا يريحه إِلَّا بِمَا يجم نَفسه وبدنه للشغل، فَإِن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة نَدم وللجد والتعب عواقب حميدة، إِمَّا فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا فِي العقبى، وَإِمَّا فيهمَا، فأروح النَّاس أتعب النَّاس، وأتعب النَّاس أروح النَّاس، فالسيادة فِي الدُّنْيَا والسعادة فِي العقبى لَا يُوصل إِلَيْهَا إِلَّا على جسر من التَّعَب.. ويجنبه فضول الطَّعَام وَالْكَلَام والمنام ومخالطة الْأَنَام، فَإِن الخسارة فِي هَذِه الفضلات وَهِي تفوت على العَبْد خير دُنْيَاهُ وآخرته، ويجنبه مضار الشَّهَوَات الْمُتَعَلّقَة بالبطن والفرج غَايَة التجنب، فَإِن تَمْكِينه من أَسبَابهَا والفسح لَهُ فِيهَا يُفْسِدهُ فَسَادًا يعز عَلَيْهِ بعده صَلَاحه، وَكم مِمَّن أَشْقَى وَلَده وفلذة كبده فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بإهماله وَترك تأديبه وإعانته لَهُ على شهواته وَيَزْعُم أَنه يُكرمهُ وَقد أهانه وَأَنه يرحمه وَقد ظلمه وَحرمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عَلَيْهِ حَظه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَإِذا اعْتبرت الْفساد فِي الْأَوْلَاد رَأَيْت عامته من قبل الْآبَاء”[2].

يتبع في العدد المقبل..

———————————————–

1. إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي، ج: 3، ص: 72، دار المعرفة بيروت.

2. تحفة الودود بأحكام المولود للعلامة ابن القيم، ص: 209-210.

أرسل تعليق