Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (25)

أما استثناء بعض الجملة كقول القائل: “رأيت الدار إلا بابها، فليس فيه تخصيص؛لأن الاستثناء من الجنس هو أن يستثنى منهما آحاد الجنس مثل المستثنى منه، وأما استثناء بعض الجملة فهو أن يخرج بعض الجملة وليست آحادها مثل ما استثني منها[1].

وأما الاستثناء من غير الجنس فمثاله قوله تعالى: “وإذ قلنا للملائكة اسجدوا ءَلاِدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن اَمر ربه” [الكهف، 49]. فعده الله تعالى من الجن ولم يعده من الملائكة ومع ذلك ورد الاستثناء فيه.

وهذا النوع من الاستثناء وقع الاختلاف فيه بين العلماء، فمنهم من لم يعتبره مخصصا ولم يجزه تبعا لذلك، ومن هؤلاء العلماء محمد بن خويز منداد من المالكية، ومن قال بمقالته من الشافعية والحنفية[2]، ودليل هذا الرأي أن قوام الاستثناء هو الإخراج والصرفوهذا لا يوجد إلا فيما دخل في الكلام حتى يثنيه عن القول الأول، ويثني فيه الخبر عن القول الأول[3].

ومنهم من أقره أسلوبا من أساليب الاستثناء ومشمولاته، وأن التخصيص حاصل من طريقه، ودليلهم في ذلك كثرة وروده في القرآن وفي كلام العرب، وهكذا نجد الباجي وهو من القائلين بهذا الرأي يحتج لهذا القول ويرىأن في الاستثناء من غير الجنس معنى الصرف أيضا، لأنه إذا قال ليس في الدار رجل إلا الضباء، فقد صرف الخبر عن الرجل إلى الضباء، وهذا وجه صحيـح من الاستثناء[4].

ومما ينبني على الخلاف في هذه المسألة قول القائل: علي ألف درهم إلا ثوبا، فعلى القول الأول يلزمه الوفاء بالألف ولا معنى لذكر الثوب هنا، وعلى القول الثانيتسقط قيمة الثوب بتقدير مضاف أو على المجاز عندهم من إطلاق الثوب وإرادة قيمته. وفرق بعضهم بين الإقرار فأسقط فيه قيمة الثوب، وبين العقد فجعلإلافيه بمعنى الواو، وهو مقتضى كلام مالك في المدونة[5].

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (24)

عدم الاستغراق:

من شروط صحة الاستثناء أن يكون المستثنى غير مستغرق للمستثنى منه، فقول القائل: “لفلان علي مائة درهم إلا مائة، أوعبيدي أحرار إلا مماليكييعتبر لاغيا، ولا فائدة للاستثناء هنا، لأن الإخراج ممتنع عقلا في صورة الاستغراق، وهذا محل اتفاق بين العلماء[6].

لكن جرى الخلاف بين الأصوليين في صورة استثناء الأكثر، فمنهم من منع ومنهم من أجاز:

فالمانعون[7] يحتجون بكون هذا النوع من الاستثناء من مستقبحات الكلام. يقول أبو بكر الباقلاني مقررا دليل المنع: “والذي نعتمده في منع ذلك استقباح أهل اللغة لاستثناء الأكثر مما دخل تحت الاسم، لأنهم لا يختلفون في استهجان قول القائل: رأيت ألف رجل إلا تسعمائة وتسعة وتسعين، وكذلك فهم مطبقون على قبح قول القائل: “عندي مائة ألف إلا تسعة وتسعين ألفا وتسعمائة وتسعة وتسعين، ولو حسن استثناء الأكثر لحسن في مثل هذا الاستثناء[8].

أما المجيزون وهم جمهور العلماء فيتلخص دليلهم في قوله تعالى: “إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين” [الحجر، 42]، وقوله تعالى: “فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين[ص، 81-82]. فالمتبعون للشيطان أو الغاوون هم الأكثرون بدليل قوله تعالى: “وقليل من عبادي الشَّكُور” [سبأ، 13]، ومع ذلك حصل استثناء الأكثر.

ومن جهة أخرى تقررأن الاستثناء موضوع ليخرج من الكلام ما لولاه لوجب تناوله، وهذا يصح في القليل والكثير كالتخصيص[9]. أما دليل المنع فقد أجاب عنه الباجي بأن أهل اللغة وإن كانوا يستقبحونه فإن ذلك لا ينافي ثبوت الأحكام به،ونحن لا نمنع أن يكون من مستقبح الكلام، وإنما نختلف في ثبوت الحكم به، لأنه لو قال لك: (عنده عشرة دراهم إلا أربعة)، لكان  من مستقبح الكلام ولكن لا يمنع ذلك من تعلق الحكم به، وكذلك إذا قال له: (بعتك هذه الدار إلا خمسة أسداسها لحكمنا عليه ببيع السدس)، فبطل ما تعلقوا به[10].

يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى

—————————–

1. إحكام الفصول، ص: 185.

2. إحكام الفصول، ص: 185

3. نفسه، ص: 186.

4. إحكام الفصول، ص: 186.

5. مذكرة في أصول الفقه، محمد الأمين الشنقيطي، ص: 272، وانظر كذلك نشر البنود، 1/243-244.

6. يقول ابن الحاجب: “الاستثناء المستغرق باطل باتفاقمنتهى الوصول، ص: 125.

7. منهم عبد الملك بن الماجشون ومحمد بن خويز منداد وبن درستويه، انظر إحكام الفصول، ص: 187.

8. إحكام الفصول، ص: 187-188.

9. نفسه، ص: 188.

10. التقريب والإرشاد، 3/141-142.

أرسل تعليق