Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الاضطرار إلى طلب الولد المرضي

قال تعالى: “قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم اَكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا” [مريم، 3-5].

سيقت الآيات في مقام النداء الخفي الذي توجه به زكريا عليه السلام إلى الله عز وجل بأن يهب له مولودا مرضيا. وهذا واضح في قوله تعالى: “كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكرياء إذ نادى ربه نداء خفيا” [مريم، 1-2]. وقد استجاب الله تعالى لهذا النداء أو الدعاء الخفيف في قوله: “يا زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا” [مريم، 6]. لقد مهد زكريا لهذا الدعاء بجملة من المقتضيات التي تبرز اضطراره إلى الولد: وقد صورها تصويرا إعجازيا قوله تعالى: “قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم اَكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا“.

من هذه المقتضيات أن زكريا عليه السلام بلغ من العمر ما يجعل إتيانه بالولد أمرا صعبا إن لم يكن مستحيلا في العلم الإنساني. والذي يفسر ذلك هو وهن العظم، وعموم الشيب. سببان أقل ما يفيد كل واحد منهما هو الدلالة على اقتراب إبان الموت.

الاضطرار إلى طلب الولد المرضي

ومنها خوفه وخشيته من معرفة سوء تصرف الموالي[1] في يخلفه ويتركه من الإرث المعنوي والمادي.

ومنها أيضا أن زوجته عاقر، أي لا تلد.

يبدو وانطلاقا من هذه المقتضيات الاضطرارية أن زكريا توجه بدعائه إلى ربه وهو مضطر إلى الولد المرضي فقال “هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا“. ولا يخفى أن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه. قال الإمام ابن عاشور رحمه الله: “فليس سؤاله الولد سؤال توسع لمجرد تمتع أو فخر[2]. وقد عضد زكريا مقتضياته الاضطرارية بما تفضل الله عليه من نعمة استجابته سبحانه لدعائه إذ ما رد عز وجل دعاءه البتة لقوله تعالى: “ولم أكن بدعائك رب شقيا“. قال الرازي: “مخافة العادة شاقة على النفس، فإذا تعود الإنسان إجابة الدعاء، فلو صار مردودا بعد ذلك لكان في غاية المشقة ولأن الجفاء ممن يتوقع منه الإنعام يكون أشق. فقال زكريا: إنك ما رددتني في أول الأمر مع أني تعودت لطفك وكنت قوي البدن قوي القلب. فلو رددتني الآن بعد ما عودتني القبول مع نهاية ضعفي لكان لك بالغا إلى الغاية القصوى في ألم القلب[3].

——————————————-

1. وهم العصبة وأقرب القرابة. أما قول النبي صلى الله عليه و سلم: “نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة” إنما يريد به رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه، فيكون من خصوصيات محمد صلى الله عليه وسلم. ينظر للتوسع تفسير التحرير والتنوير ج: 16- ص: 66-67.

2. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 16- ص: 63.

3. الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 21- ص: 165.

أرسل تعليق