Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الإسلام بخصوبته وسماحته قادر أن ينقذ أجيالا بأكملها

وإنه من الأهمية بمكان أن نعرف يقينا أن صلاح المجتمع الإسلامي رهين بالتشبث الكبير بمجموعة من المبادئ الشرعية التي تتلاءم وطبيعة الصيرورة الاجتماعية بكل تلوناتها وتوجهاتها الدقيقة. كيف لا وشريعتنا الإسلامية السمحة صالحة لكل زمان ومكان، ولتحقيق جملة من هذا المطالب وتفريغها على الواقع الأسري الملموس لا بد للأسر المسلمة أن تستأنف نشاطها التربوي وتعمل بكل حزم وتأكيد على مواصلة الركب الحضاري تحت سقف تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة، والانطلاق في عملية نمو عضوية تجدد به نفسها دون أن تبقى محشورة في مأزق الانغلاق والجمود ومن تم إلى الفناء والضياع، فهي تواجه أزمة حقيقية تتحدى طموحها، وتخنق روح الإبداع وتسد طرق الإنتاج المتميز الرفيع..

وحياة الأمم تحتاج إلى ما يحركها، ويبعث الدفء والحيوية ويصلها بالناس، ويصل الناس بها ما يساعد الأسر المسلمة على إصلاح الأحوال لدى أجيالها، ومن خلال الأجيال إصلاح المجتمعات الإنسانية، وإن خير ما نحتاج إليه في عصرنا الحاضر ونحن نجتاز أقسى مراحل تاريخنا الإسلامي أن نعمل على ما يدفع الهمم إلى الأمام، ويؤجج الحماس لدفن كل ما من شأنه أن يراكم اليأس عن سبيل إلقاء اللوم على الذات، حتى لا تضيع ذاتيتنا العربية الإسلامية.

وبالتغلب على السلبيات يجب أن نرتقي بأجيالنا إلى مستوى آمالنا للحاق بمصاف الإنسانية المتمدينة في الأخلاق والمعاملات حتى نصحح مغالطة تاريخية يقول أصحابها: (أن زهرة الأمة الإسلامية ما تفتحت إلا لفترة وجيزة في التاريخ) لكن رغم ما أصابنا من نكسات وقد نسي هؤلاء أن هناك عصورا تميزت بالازدهار والتألق في العلم والمعرفة والحضارة الزاهية، كان سببها الاتحاد بعد الانقسام والتشرذم، والتجمع بعد التشتت، ولكن أليس لكل أسرة همومها وأحلامها وطموحاتها ومشكلاتها، والعاقل وهو في وسط هذا الخضم لم يستطع إلا أن ينحني إجلالا وإكبارا لكل أسرة ضمخت أنفاس أجيالها بعطرها النافذ، ورقة مشاعرها ورفاهة أحاسيسها بمسحة من الجدية ورحابة صدرها، وبقلب يتسع لكل جيل بلا رفض أو حتى مجرد تذمر، وحنان يحمي كل أجناس الأرض بأشكالها ولغاتها وأعراقها ومذاهبها لمن أراد أن يعيش الحاضر ويبني المستقبل المتوازن؛ ولأن من الشجاعة المبادرة لإعلان رأيها بغير مداهنة والتواء، والمتمثلة كذلك في ترحيبها باستقبال آراء الآخرين، وقبولها بما يخالفها من آراء؛ لأنها عندئذ فقط تستطيع أن تقف بثقة على عتبات جادة الصواب، وتحقيق التكافؤ والمشاركة الفعلية في تنمية الحضارة والتقدم الإنساني دون تملق أو ركوب موجة النفاق والسعادة الحقيقية ليست دعة وإنما هي تدافع وقلق ينقلان من حالة الرتابة المملة التي تعكر صفو حياتك، بل هي ما يحقق لك ذلك الجهد العالي والروحي الرائع، الذي هو أخص ما يميز الإنسان رسالة ومعنى، قال تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” [هود، 118].

ومن الإنصاف أن نقول إن الأسر العاقلة هي تلك التي تعرف مهما كانت أسباب الخلاف وأغراضه ودوافعه بين البشر، أن هناك نقطة التقاء بين العقلاء تساعد على تخفيف حدة الخلاف، وتلقي ضوءا أوضح ينقل الكل من دائرة الأحلام المغلقة إلى دنيا التفاهم والتعاون الإنساني وبرامج ذات قيمة تعلو عن سفاسف التوافه إلى آفاق يمكن أن تعمق مفاهيم التحضر الإنساني، والعاقل من اتعظ بغيره إن لم يكن بنفسه، والجميع في زورق واحد، ومصير البعض مرتبط بمصير الآخرين ولا عبرة لمن يقولون، إن الفيل لا ينسى شيئا، وأخشى أن يقولوا أيضا إننا نحن المسلمين لا نتعلم شيئا، ولكسب المعركة نحن نبحث عن أسرة لها رؤية واعية لرسالة السماء بنزعة عقلية وعاطفية ترتبط بخير القرون، وتعمق ولاءها لقرآن ربنا الكريم وسنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفهم للإسلام وعمل له يرتفع إلى مستوى عمومه وخلوده، وتجاوبه مع جبلة الفطرة، وقيامه على العقل الذي يؤسس العلاقة الصحيحة الحميمية بين الدنيا والدين، تخرج الإنسانية من متاهة الصراع المفتعل، بين الوحي والواقع، وبين الفعل والضمير مصداقا لقول الله عز وجل: “فتوكل على الله إنك على الحق المبين” [النمل، 81]

والظرف الحالي يقول: نريد أسرا بأجيال يكون فيها الجميع والحقيقة متلازمان كالظل في الغدير، وترتيب الخطوات في تمييز إلى ما يحتاج للعمل السريع حتى يجدد العاملون فهمهم للإسلام، ويتحرروا من معرة الالتصاق بالوضع الآسن والتوجه إلى الحاضر والمستقبل، بما يرتفع بالوجدان والعقل الإنساني، إذ كيف يمكن لأحد من الطرفين الخروج من الجو الصاخب وحلبة يتبادل فيها الجميع الاتهامات، وردم الهوة المتزايدة اتساعا وعمقا، وعبثا نصطنع العلم والمعرفة إن لم نؤمن مسبقا طريق التفاهم بلغات أيسر وأرقى، واتصال وتواصل أغنى وأوسع، سدا للفجوات القائمة بين الإنسان وأخيه الإنسان، علما بأن الأمل كالقمر يخبو ويصحو وسط السحاب، وإن شئت فقل فحال الدنيا بين الجسور والعقبات حتى صارت بعض الخلايا الطيبة في الجسم الإنساني خلايا سرطانية جشعة تتغذى على الجسم الذي يؤويها، ولحد الآن لم يستطع العقلاء أن يجدوا له مصلا واقيا، وصدق الله العظيم إذ يقول: “ذلك بما قدمت اَيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد” [اَل العمران، 182]

والأسرة المسلمة إذا انقطعت عن أصولها أصابها اليتم، وإذا انقطعت عن العمل المتفاعل مع غيرها أصابها العقم، وإذا ظلت تتردد بين الإقدام والإحجام لمصارحة الآخر، لا تبلغ رشدها ولا تنتج ثمرا، ورغم هذا التدابر، فقد آن الأوان للعلاقات الإنسانية أن تؤتي ثمارها رغم هذا القصور في بناء جسور التلاقي والعجز الذي نرى أشباحه تغدو وتروح وما تنطوي عليه من قسوة، فأعباء الحياة وما تقتضيه المروءة تدعوا إلى تجمع جداول الأسر الصغيرة بعضها إلى بعض فتكون نهرا إنسانيا من التعارف والتعاون كبيرا، يحيل صحراء جفاء القلوب الجافة إلى واحة مديدة يجد فيها كل مجهود مبتغاه ومناه، ويحصل فيها كل مكدود على رمز الفرج، وما يدله على حقيقة الحياة لمواصلة  العيش الكريم بالعمل الشريف، وبما يثري الحياة الإنسانية والمساهمة في بلورة أحداثها إلى متعة ولذة، والكل يساهم في تقليص معظم مشاكل البشرية، والخروج من المجهول إلى ما يرفع راية الفضيلة، ونقل الناس ما أمكن بالإسلام إلى خير مما هم عليه في أمورهم كلها وتوكيد العدل الاجتماعي الإنساني للجميع..

والله المستعان

أرسل تعليق