Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

استدعاء الدين

      يعتبر حوار الأديان من مواضيع علم الفكر الإسلامي المعاصر التي كثر فيه النقاش واشتد حوله الخلاف والاختلاف حتى بلغ الأمر حد الانقسام بين الباحثين بين رافض ومؤيد. ولعل السبب في هذا الموقف هو عدم وضوح الرؤية المعرفية في هذه المجال واختلافها عن حوار الأديان الذي عرفه الفكر الإسلامي قديما.

      ولهذا فإن ما يسمى بـ”حوار الأديان” حاليا يختلف باختلاف أسبابه ومضامينه وأهدافه.

      فتارة يقصد به استكشاف عقائد الآخر وبلورة فلسفة غير نمطية تجاهه، دون التحيز في إصدار أحكام قيمية ضده.

      وتارة أخرى ينظر إليه على أنه فكرة أخلاقية صرفة، القصد منها إبعاد تسلط “قوى الشر” بشتى أنواعها عن التسلط على العالم، ويعتبر حوار الأديان الأرضية المناسبة والمشتركة بين البشرية جمعاء للحفاظ على الحياة والإنسان والكون.

      بل إن بعض الدول الكبرى اعتبرته الأرضية المناسبة للتعريف بنفسها وثقافتها وحضارتها، خاصة بعد فترة الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من محاولة هذه البلدان طرح ذاتها من خلال الآخر.

      وهكذا أضحى “استدعاء الدين” لاتخاذه أرضية للمحاورات يختلف باختلاف الأسباب والمقاصد..

      وأيا كان الأمر فإن “حوار الأديان” موضوع واسع الدلالات ومتنوع الأهداف والمستويات، وهو من القضايا الأساسية في الحياة المعاصرة بحيث لا يمكن تجاهله أو تأجيل النظر فيه أو إلغاؤه.

      والناظر في واقعنا المعاصر يلاحظ أن هذا الحوار يختلف باختلاف الأقطار والديانات. ففي بعض الدول نجد حوارا دينيا وطنيا يراد منه تجسير الوشائج الوطنية بين مختلف مكونات الشعب الواحد ذي الديانات المختلفة، وذلك درءا للفتنة الطائفية، ودفعا للصراعات الداخلية المقيتة.

      وبين دول أخرى يجري حوار دولي بين المسلمين والمسيحيين، يتحاشى فيه كل طرف محاور أمور السياسة والخلافات العقائدية، والخوض في الخصوصيات الدينية، ويتم التركيز فقط على التفكير والنقاش حول أرضية مشتركة للعيش المشترك بسلام وأمن وطمأنينة.

      هذا النوع من الحوار أسال مداد العديد من الباحثين في الفكر الإسلامي المعاصر، ولم يسلم من ملاحظات كثيرة تجعل المفكر الباحث في صلب هذا الموضوع، بل إنها تلقي على عاتقه مسؤولية خوض غمار هذا البحر اللجي؛ فيتعين عليه الانخراط في ضبط مفهوم “حوار الأديان” وتحديد منطلقاته وأسسه ومقاصده، ومحاولة اكتشاف نقط الاختلاف والائتلاف بين الرسالات السماوية وفق أنساق معرفية تستلهم الماضي لتستوعب الحاضر في أفق استشرف المستقبل.

      ويزداد هذا الأمر أهمية في واقعنا المعيش حين تضاعف العولمة من حساسيته، وهي عقبة تصورية تقف في وجه الباحث في الفكر الإسلامي، إذ أن عدم تجاوزها سيعيد فتح الباب من جديد للتشكيك في مهمته وفي قضية “حوار الأديان” جملة وتفصيلا. فظاهرة العولمة بشتى تجلياتها تحاول قدر الإمكان القضاء على أي حوار بين الأجناس البشرية، خاصة حوار الأديان الذي تسعى جاهدة إلى إقصائه؛ لأنها تعتبر نفسها الخيط الناظم لثقافات الشعوب، وكل خصوصية غير مرغوب فيها، خاصة إذا كانت خصوصية دينية!..

      هكذا يتضح دور علم الفكر الإسلامي المعاصر في حياة الأمة الإسلامية من جهة، وتظهر أهمية المحاورة البشرية لاحتواء كثير من المشاكل والأزمات والنكبات التي يخشى أن تفتك بالإنسان وعقيدته تحت مسميات متعددة من جهة ثانية خاصة في اللحظات الصعبة التي يعيشها العالم اليوم.

التعليقات

  1. مولاي المصطفى الهند

    شكرا لكل الإخوة والأخوات
    وشكر الله لك يا أخي الفاضل الهيبة ماء العينين سؤالك الوجيه الذي يقلق جل الباحثين.
    فبين الفينة والأخرى تظهر بعض الآراء المنفلتة من السياق المنهجي الإسلامي تدعو إلى إكراه الناس على الإسلام وحملهم على شريعته حملا، وهذا يتنافى وعقيدة التوحيد التي بنيت في أصلها على الإيمان والاقتناع والاستسلام الطوعي للدعوة التي جاء بها الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
    بل إن الإمام الطبري أورد في تفسير قوله تعالى "لا إكراه في الدين" أن هذه الآية نزلت فـي قوم من الأنصار، أو فـي رجل منهم، كان لهم أولاد قد هوّدوهم أو نصروهم؛ فلـما جاء الله بـالإسلام أرادوا إكراههم علـيه، فنهاهم الله عن ذلك، حتـى يكونوا هم يختارون الدخول فـي الإسلام.
    هذا هو كنه الإسلام وحقيقته وجوهره، أما العولمة فعلى على النقيض تماما، حيث ضخمت من صوت الأنا في كل مكوناتها وسعت بشدة قوتها إلى فرض نفسها على العالم وإقصاء كل الخصوصيات الدينية والثقافية واللغوية والحضارية، وبذلك فإنها تحمل في كينونتها عناصر زوالها وأفولها؛ لأن الإكراه إكراه مهما دبج وزين ونقش، ترفضه الفطرة وتأباه كل نفس أبية.

  2. راقي صلاح

    بسم الله الرحمن الرحيم
    موازاة مع هذا الحوار يجب على العلماء أن يولوا أهمية كبرى إلى داخل الأوطان خاصة خلال خطب الجمعة لتوعية الناس واطلاعهم على دينهم؛ لأن الدين المعاملة، خاصة وأن غالبية الناس يجهلون أمور دينهم، وينساقون وراء الشعودة والنميمة والغيبة و و و و و و و و.
    وشكرا

  3. سعاد

    بارك الله في الأستاذ وحفظه ورعاه.
    في الحقيقة فتح أعيننا على تحديد الأمراض من حوار الأديان..

  4. الهيبة ماءالعينين

    شكرا جزيلا على هذا المقال الذي يفتح نافذة جديدة على مفهوم حوار الأديان بين العولمة والتعايش السلمي والعلاقة بين هذين المفهومين، العولمة التي تفترض وجود عالم واحد ثقافة واحدة صوت واحد، وبين التعايش السلمي الذي يحاول تثبيت الثقافات المختلفة وتقريرها والعمل على الحفاظ على كل الثقافات وعدم إقصائها.
    ولكن أليس الإسلام أيضا داعيا إلى نوع من العولمة -خصوصا لدى الإسلاميين المعاصرين الأوفياء للسلف- باعتباره يفترض هيمنة الإسلام على جميع الديانات واعتباره آخر ما توصلت إليه البشرية من تطور وبالتالي إقصاء كل ما يمت بصلة إلى الاجتهادات البشرية التي "تعارض" بعض الأحكام الفقهية في تراثنا الإسلامي؟

أرسل تعليق