Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

محاور التأسي في القرآن الكريم والسنة النبوية.. (3)

المحور الثالث: النبي شاهد وشهيد مُؤَيَّد

النبي هو الوحدة القياسية الشاهدة التي تمثل حالة السواء في المجال الإنساني والتي بالنظر الواعي إليها يتم التعرف على الاختلالات التي في هذا المجال جمعا وإفرادا. بذلك يحصل إمكان العمل على ردها إلى حالة السواء، وتلك نعمة من الله جُلَّى؛ حتى إذا تمت إفادة الأمة من النبي فإنها بدورها تصبح وحدة قياسية على الصعيد الاجتماعي والحضاري يمكن التعرف عليها من خلال التعرف على الاختلالات في هذه الأصعدة ومن ثم يُمكِّن هذا التعرف من العمل على ردها إلى حالة السواء[1] وهذا هو ما يتجلى في قوله تعالى: “وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ” [الحج، 76]. وفي قوله سبحانه وتعالى: “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” [البقرة، 142].

وحتى يكون النبي بعد اصطفائه لهذه الوظيفة التكوينية الخطيرة قادراً على الاضطلاع بها، يكون إنعام الله بالتأييد. قال تعالى في معرض الكلام عن الرسل عامة ومن اتبعهم من المؤمنين: “كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُومِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ اَبْنَاءَهُمْ أَوْ اِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الاِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ” [المجادلة، 20-21].

وقال سبحانه وتعالى عن نبيه عيسى عليه السلام: “إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى اَبْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ اَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ” [المائدة، 112]. وقال تعالى عن نبي الختم صلى الله عليه وسلم: “وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُومِنِينَ” [الاَنفال، 63].

كما أن النبي لهذا القصد -قصد أن تمثُل فيه الوحدة القياسية الشاهدة- يُصنع ظاهراً وباطنا على عين الله. وقال سبحانه وتعالى عن نبيه موسى عليه السلام: “وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” [طه، 39]. وقال تعالى: “وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي” [طه،41]. وقال سبحانه وتعالى عن خاتم النبيين: “اَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ” [الشرح، 1-4]. وقال صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى: “أدّبني ربي فأحسن تأديبي”[2] فكانت النتيجة في حقه صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى: “وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ” [القلم، 4].

ومن أجل ذلك كان اتباعه والتأسي به صلى الله عليه وسلم هو المرقاة إلى مرضاة الله ومحبته. وقال عز من قائل: “قُلْ اِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ” [اَل عمران، 31].

———————————————————————-

1. يلاحظ أن حالة السواء في كتاب الله نسق مفتوح آخذ بعين الاعتبار للخصوصيات والسياقات، وهو ما نرجو بعون الله تفصيل القول فيه في بحث لاحق.

2. فيض القدير للمناوي، 1/224.

أرسل تعليق