Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ظاهرة الاحتمال ومراتب الخطاب في النسق الأصولي المالكي.. (11)

ظاهرة الاحتمال ومراتب الخطاب في النسق الأصولي المالكي.. (11)

مسائل اخـتلف في إجـمالها

ورد الخلاف بين الأصوليين في عدد من نصوص الأحكام، هل هي داخلة في حيز الإجمال أم لا؟ ونماذج هذه القضايا المختلف فيها كثيرة متكاثرة، والباحث يجدها مبثوثة بغزارة في معظم كتب الأصول، كما يجد إشارات إليها في كتب الفروع، وحسبنا في هذا المضمار أن نسوق بعضها دون الخوض في التفاصيل:

أ. من ذلك إسناد الأحكام الشرعية إلى الأعيان، هل يعتبر موجبا للإجمال أم لا، كإضافة التحريم إلى ذات الأم في قوله تعالى: “حرمت عليكم أمهاتكم” [النساء، 23]، وإسناده إلى ذات الميتة في قوله سبحانه: “حرمت عليكم الميتة” [المائدة، 4]. أما القائلون بالإجمال فمعتمدهم أنه ليس في الإمكان إجراء اللفظ على ظاهره؛ لأن الحكم لا يتعلق إلا بالأفعال دون الأعيان، كما أن الحرمة في هذين النصين لا تتعلق إلا بفعل واحد من جملة الأفعال المضمرة في اللفظ، وهذا الفعل غير متعين في نفسه، فضلا عن أن ترجيح بعض الأفعال على بعض متعذر لعدم وجود دليل الترجيح، فلم تتعين جهة التحريم، فكان ذلك موجبا لإجمال اللفظ. أما النافون للإجمال وهم الجمهور فقد رأوا أن المعتمد في تحديد مدلولات هذا النوع من النصوص إنما هو العرف والسياق، فإذا كان امتناع إسناد الأحكام الشرعية إلى الأعيان أمرا مسلما، فإن المتبادر من هذه الألفاظ إذا أطلقت حرمة الاستمتاع والأكل[1].

ب. ومما اختلف في إجماله الكلام الذي يتوقف صدقه على الإضمار، كقول النبي صلى الله عليه وسلم  فيما رواه ابن عباس “إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه[2].

فمن قال بالإجمال استند إلى أن ظاهر الحديث يقتضي رفع نفس الخطأ والنسيان، والواقع بخلاف ذلك، إذ الخطأ والنسيان موجودان في الأمة، مما يستلزم أن يكون المراد لازما من لوازم الخطأ والنسيان، وهو غير متعين ويحتاج إلى البيان، فكان ذلك موجبا لإجماله.

وأما الجمهور فقد اعتبروا الحديث واضح الدلالة استنادا إلى العرف و”العرف في مثل هذا رفع المؤاخذة به، أي لا تؤاخذ أمتي بخطأ ولا نسيان[3].

ج. اختلف الأصوليون أيضا في دخول النفي على الحقائق الشرعية، هل يوجب إجمالا أم لا، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب“[4]“، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل“[5]. وقوله أيضا: “لا نكاح إلا بولي[6]، “فمن يرى أنها مجملة يقول يتعذر نفي هذه الحقائق لأجل أنها توجد بدون هذه الشروط فيتعين الإضمار، فيحتمل أن تضمر الصحة، أي لا نكاح صحيح ولا صيام صحيح، ويحتمل أن يضمر الكمال، أي لا نكاح كامل ولا صيام كامل، ومع هذا الاحتمال يثبت الإجمال”[7].

ومن نفى إجمال هذه النصوص، منهم من يرى تعلق النفي بهذه الحقائق الشرعية ولا حاجة إلى إضمار، ومنهم من يرى لزوم الإضمار، ويعين المضمر في الصحة فيكون الحاصل انتفاء الصحة وذلك لسببين:

أولا: لأنه إذا انتفت الصحة لزم انتفاء الفائدة، والعرف في مثل هذا جار على نفي الفائدة كقول القائل: “لا علم إلا ما نفع”، فإن المراد نفي الفائدة استنادا إلى عرف الاستعمال.

وثانيا: لأن نفي الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة من سائر المضمرات التي يحتملها اللفظ، فكان إضمارها أولى[8].

 

———————————————————————-

1. مفتاح الوصول، ص: 462، وشرح تنقيح الفصول، ص: 275.

2. اخرجه ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما.

3. مفتاح الوصول، ص: 464.

4. أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، واحمد من رواية عبادة بن الصامت.

5. أخرجه مالك في الموطأ واحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

6. أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود والدارمي والبيهقي.

7. مفتاح الوصول، ص: 465.

8. نفسه، ص: 465-466.

أرسل تعليق