Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دعاء الحمد والتعريف بالكتاب المجيد

يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز: “الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا” [الكهف، 1-2].

يسترعي انتباه المتدبر لهاتين الآيتين انطواؤهما على وصفين دقيقين للكتاب المجيد:

أولهما: وصف الاستقامة. والمقصود بها أن دلالاته ومعانيه ومقاصده متصفة بالاتساق الذي يفسر وجوه التنسيق في مدلولات كلامه لأنه لا عوج أو لا تناقض فيها[1]. ومن هنا ضرورة النظر وحتمية الاجتهاد؛ لأن ذلك النظر وهذا الاجتهاد هما اللذان يكشفان عن عن وجوه الاتساق في القرآن الكريم والذي لا يحيط بهما إحاطة تامة إلا علام الغيوب. ومن ثم إن التوقف عن استئناف التفكير والتدبر هو الذي يعوقنا عن رفع الاختلاف الذي يتراءى للعقول الجامدة و الأنظار المقلدة. قال تعالى: “اَفلا يتدبرون القرءَان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا” [النساء، 81].

دعاء الحمد والتعريف بالكتاب المجيد

والوصف الثاني: هو وصف الهيمنة على هداية البشرية لما فيه صلاحها وخيرها وسعادتها. ويستفاد هذا الوصف من قوله تعالى: “قيما”. ففي القرآن المجيد من الأحكام ومن التشريعات ومن أنواع الهدي ما يجعل عمل الإنسان عملا نافعا لنفسه ولغيره من موجودات العالم.

وعلى كل حال سيقت الآيتان في مقام حالي يتعلق بالجواب عن سؤالات ثلاثة أسئلة طرحها جمع من المشركين على الرسول الكريم محمد بن عبد الله عليه والصلاة والسلام. سؤال أول يتعلق بفتية أهل الكهف، وسؤال ثان يتصل بذي القرنين، وسؤال ثالث يرتبط بماهية الروح، فوعدهم صلى الله عليه وسلم بالجواب غدا ولم يستثن فيقول: إن شاء الله. وهكذا تأخر الوحي حتى أحزن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ثم جاءه جبريل بسورة الكهف متضمنة الجواب ومفتتحة بقوله تعالى: “الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب” [الكهف، 1].

واختلف في تصوير مقام المقالي للآيتين: قيل إن الله عز وجل قد افتتح بالتحميد لأنه  عبارة عن كون الله تعالى مكمل لغيره، اما اتلسبيح كما ورد في سورة الإسراء فهو إشارة إلى كونه سبحانه كاملا في ذاته[2]. وقيل إنه لما جاءت سورة الكهف بحسب ترتيب المصحف الحالي في موقع يقارب نصفه فقد افتتحت بالحمد حتى يكون افتتاح النصف الثاني من القرىن بـ“الحمد لله” كما كان افتتاح النصف الأول بـ” الحمد لله، وكما كان أول الربع منه تقريبا بـ”الحمد لله فاطر السماوات والاَرض“.

والحق أن التحميد من أهم ما يفتتح به الكلام في الغرض المهم. ولا يخفى أن إنزال  القرآن العظيم نعمة عظيمة تستوجب من الإنسانية الشكر والتمجيد والثناء على الله عز وجل الذي أنزلها لهم فتنتظم أحوالهم وتترسخ سيادة بعضهم على بعض. هذا في الدنيا أو في حياتهم العاجلة، أما في الآخرة أو في حياتهم الآجلة فيكون عملهم بالقرآن سبب نجاتهم في الحياة الأبدية[3].

———————–

1. يراجع للتوسع في ذلك معالجتنا لذلك من خلال ما اصطلحنا على تسميته بالاتساق الداخلي وبالاتساق الخارجي الذي جاءت على وزانه شريعة الإسلام. ينظر كتابنا فقه العلم في مقاصد الشريعة، مراكش، المكتبة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى، 2004م، ص: 200 وما بعده.

2. كما في قوله: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا”  [الاِسراء، 1] ينظر الرازي، مفاتيح الغيب ج 21 ص: 67.

3. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 15- ص: 245- 246.

أرسل تعليق