Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حين تصبح المقاصد خادمة للمجتمع

      يا أيها الأستاذ، إن مباديكم السامية التي ترمي سهمها الأفلج شوارد التقدم.. قد أوجبت لنفسي نحو لقياكم كثرة إشراق، مع علو في محبتكم وإغراق، فلا يتعجب الأستاذ أيده الله من نفس أظهرت له التعلق عند ملاقاته الأولى؛ فإننا إن لم نلق شخصه من قبل فقد لاقينا ذكره..

      هذا هو مطلع الخطبة التي ألقاها الشيخ الطاهر بن عاشور حين التقى بأستاذه العلامة محمد عبده في تونس خلال زيارته الثانية سنة 1903م،  وكان عمر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ثلاثاً وعشرين سنة، بعد أن التقاه في زيارته الأولى سنة 1885م وكان عمره ثماني سنوات.

      ولا يذكر اسم الشيخ الطاهر بن عاشور إلا ونتذكر اللقب الذي لقبه به الإمام محمد عبده وهو: “سفير الدعوة الإصلاحية في الجامعة الزيتونة”، وهذا يعني أن الطالب قد تأثر بالفكر الإصلاحي الذي تشبع به أستاذه، مما جعله يشارك في دعوات الإصلاح، وينظّر لمشاريع النهضة العربية الإسلامية وأطروحاتها، ويسعى إلى إصلاح المناهج السائدة على الساحة المعرفية، بدءً من إصلاح جامع الزيتونة.

      وقد كان العطاء العلمي للشيخ الطاهر بن عاشور، كما وصفه بذلك الأستاذ الحبيب بن الخوجة، غزيرا ومتنوعا، من تفسير للقرآن الكريم، ودراسة للحديث النبوي وأصول الفقه واللغة والأدب والنحو والاجتماع والتراجم والتاريخ، حتى يمكن أن نقول إن الرجل تميز بحق عن سائر أقرانه في المغرب العربي.

      ولعل مما اشتهر به العلامة الطاهر بن عاشور ميله الشديد لمقاصد الشريعة الإسلامية نظرا للفراغ الحاصل في هذا العلم، لهذا كان يؤكد في أقواله بأن الأمة الإسلامية بحاجة إلى علماء أهل نظر سديد في فقه الشريعة وتملك من معرفة مقاصدها؛ مما دفعه رحمه الله إلى الرجوع إلى المقاصديين من علماء السلف فاستفاد منهم كثيرا، وخاصة شيخهم الإمام الشاطبي أبو إسحاق الذي اعتبره أنه أفاد جد الإفادة، وبذلك فهو يقتفي آثاره. إلا أن الأستاذ طه جابر العلواني ذهب إلى أبعد من هذا “الاقتفاء” حين أكد على أن ابن عاشور استطاع أن “يستدرك” على الشاطبي ما فاته وأن يمهد لبناء الفكر المقاصدي بأحسن ما يكون التمهيد.

      وقد امتزج هذا الإبداع المقاصدي بالبحث في أسباب نهوض المجتمع الإسلامي وأسباب جموده، وكذا الأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي في الإسلام وقيمه ومقاصده، فأعطانا تلكم الثمرة الطيبة الموسومة بـ “أصول النظام الاجتماعي في الإسلام”. وهذا المؤلف المتفرد في منهجه وموضوعه يمكن اعتباره ثورة في علم الاجتماع الإسلامي المعاصر من جهة، وصورة نموذجية لقمة التكامل المعرفي بين الحركة الإصلاحية في مشرق الإسلام ومغربه من جهة أخرى. وبذلك فهو يستحق عناية خاصة من الباحثين في هذا الإطار لاستخراج المضامين والمفاهيم التي دونها الإمام في مؤلفه، الأمر الذي يتطلب إعادة قراءته مرة ومرة.. فحق بذلك أن يكون الشيخ محمد الطاهر بن عاشور مجدد علوم المقاصد الخادمة للمجتمع الإسلامي بامتياز في العصر الحالي.

أرسل تعليق