Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

تأويل الخطاب ومقتضياته التداولية.. (4)

بعد أن استعرض -الإمام الشاطبي- جملة من الأمثلة والشواهد التي تثبت المدعى وتزيد المسألة إيضاحا[1] خلص إلى أنه: “لو فقد ذكر السبب لم يعرف من المنزل معناه على الخصوص دون تطرق الاحتمالات وتوجه الإشكالات[2].

تأويل الخطاب ومقتضياته التداولية.. (4)

أسباب النزول إذن إطار سياقي صريح ينبغي تنزيل الخطاب على مقتضاه حتى تنفهم للمتأول مداليله. وإضافة إلى هذا المعطى المقامي يشير الشاطبي إلى أن السياق يقتضي النظرة الشمولية للخطاب، إذ يتعين على الناظر فيه وصل أجزائه بعضها ببعض، آنذاك يتحصل لديه معناه المقصود مادام الخطاب الشرعي وحدة لا تجزؤ فيها، وكلا موصولة أجزاؤه بعضها ببعض حتى لا انفصال فيه، وبناء على ما ذكر يرى الشاطبي: “أن المساقاة تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني والبيان، فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم، الالتفات إلى أول الكلام وآخره بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون آخرها، ولا في آخرها دون أولها، فإن القضية وإن اشتملت على جمل فبعضها متعلق بالبعض، لأنها قضية واحدة نازلة في شيء واحد، فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام على أوله، وأوله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع  في فهم المكلف؛ فإن فرق النظر في أجزائه، فلا يتوصل به إلى مراده، فلا يصح الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون بعض إلا  موطن واحد  وهو النظر في فهم الظاهر بحسب  اللسان العربي وما يقتضيه لا بحسب مقصود المتكلم، فإذا صح له الظاهر على العربية رجع إلى نفس الكلام، فعما قريب يبدو له منه المعنى المراد[3].

ومن طريف ما جاء به الشاطبي في هذا المجال دعوته إلى اعتبار السياق المقصدي للخطاب أو باصطلاحه المساق الحكمي (بكسر الحاء)، وحاصله ضرورة اعتبار العلل ووجوه الحكم الجزئية والكلية مما يصب في مجرى المقاصد الشرعية، “وهذا السياق يختص بمعرفته العارفون من مقاصد الشارع[4].

من خلال هذه البيانات تتضح أهمية السياق في تقليص الاحتمالات الواردة على الخطاب بترجيح أقواها وأقربها إلى مقصود المتكلم، فهو أمر ملازم  للأقوال الطبيعية ملازمة قوية، والـتأويل السليم لهذه الأقوال لا يتهدى إليه الفقيه المحقق دون الاستناد إلى مقتضيات السياق؛ لأنه يورث مدلول الخطاب اقتضاءاته الاستعمالية؛ ولأن الفهم والإفهام يتعذران دون مراعاته.

———————————————

1. إرشاد الفحول، ص: 260-259/3.

2. إرشاد الفحول، ص: 261-260/3.

3. الموافقات، 310-309/3.

4. الموافقات، 205/3.

أرسل تعليق