Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

السلوك والمقاصد – التداخل والتكامل (1)

لما كان الدين الإسلامي إسلاما وإيمانا وإحسانا بمعنى انحصاره في مقامات ثلاث، حسب حديث جبريل[1] المشهور؛ فإن مستلزم لأمرين:

الأول: حصول التكامل والتداخل بين هذه المقامات الدينية الثلاث، من إسلام وإيمان وإحسان، واجتماعها بعلاقة اتصالية دائمة، حتى إن المسلم المتحقق بمضامين الدين الإسلامي يوصف بأنه مؤمن ومحسن، أي أنه في طلب دائم للترقي في تلك المقامات لأنها من الدين، لا أنه منعكف على مقام دون مقام ولا على تحقيق الإسلام والإيمان دون طلب الإحسان؛

الثاني: لما كانت مقامات الدين الإسلامي في علاقتها تكاملية، فقد وجب حصول التكامل بين العلوم الخادمة لها، بحيث إن علوم الدين الإسلامي يجمعها التعاضد والتداخل والاتصال، بحيث يحيل أحد العلوم منها على الآخر، أو أنك تجد روح علم منها تسري في الآخر. وهذا حاصل عند أخذ العلم من منبعه “من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام”[2]. ومن هنا فإن عدم التحقق بعلم من العلوم الإسلامية، يجر صاحبه إلى نقص في فقه ذلك العلم، وإلى عدم وضوح العلاقة التكاملية بين العلوم عنده، بل إن ذلك يجره إلى نكران علم من العلوم الإسلامية الثابتة من الدين بالضرورة وفي مثل هذا يقرر الشاطبي: “أن كثيرا ممن لم يتحقق بفهم مقاصد الشريعة يظن أن الصوفية جرت على طريقة غير طريقة الجمهور، وأنهم امتازوا بأحكام غير الأحكام المبثوثة في الشريعة مستدلين على ذلك بأمور من أقوالهم وأفعالهم، ويرشحون ذلك بما يحكى عن بعضهم: أنه سئل عما يجب في زكاة كذا فقال: على مذهبنا أو على مذهبكم؟ ثم قال: أما على مذهبنا فالكل لله، وأما على مذهبكم فكذا وكذا. وعند ذلك افترق الناس فيهم، فمن مصدق بهذا الظاهر، مصرح بأن الصوفية اختصت بشريعة خاصة هي أعلى مما بث في الجمهور، ومن مكذب ومشنع يحمل عليهم وينسبهم إلى الخروج عن الطريقة المثلى، والمخالفة للسنة… ولكن روح المسألة الفقه في الشريعة”[3]. وينبني على هذا أن فقه التكامل بين التصوف والمقاصد من الضرورات العلمية، قصد تحصيل الفهم بكليات وجزئيات الدين الإسلامي وعلومه الخادمة له.

والتصوف يتجه إلى تزكية الأفراد تزكية قلبية، وتطهير باطنهم لتكون موصولة بالله سبحانه، فهو يدرأ عن الفرد آفة الهوى، ونقمة الانفصال والانقطاع، وعذاب البعد، ويمده بإمدادات الاقتداء والإتباع: “أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ” [الاَنعام، 90]. كما يستشعر نعمة الوصل والأنس بالله: “الَّذِينَ ءامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد، 28].

يتبع في العدد المقبل

——————————————-

  1.  رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم. رقم: 48.

  2.  الموافقات للإمام الشاطبي، ج: 1، ص: 70.

  3.  الموافقات، ج: 2، ص: 212.

أرسل تعليق