Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (12)

المخصصات المنفصلة

العرف

العرف في اللغة يرد بمعنى الشيء المعروف على سبيل الألفة والاستحسان، ويقابل الشيء المنكر جاء في اللسان: “والعرف والعارفة والمعروف واحد: ضد النكر، وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتبسأ به وتطمئن إليه[1].

وفي الاصطلاح يطلق العرف على “ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول[2].

ويرى الدكتور عمر الجيري بعد تحليل هذا التعريف أن يزاد فيه “عنصر جوهري وهو عدم مخالفته للنص الشرعي فيصير التعريف هكذا: “ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول بشرط أن لا يخالف نصا شرعيا[3].

الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (12)

وللعرف أثر بالغ في تحديد مقاصد الخطاب حتى عده المالكية أصلا من أصول الاستنباط، ومسلكا من مسالك الاستدلال، حيث إن عدم الإحاطة به يفضي إلى الاختلال في الفهم والاستنباط، وعدم مراعاته يعد موردا للشبه والإشكالات. وقد قرر الشاطبي هذه الحقيقة بعبارة واضحة حيث قال: “ومن ذلك معرفة عادات العرب في أقوالها وأفعالها ومجاري أحوالها حالة التنزيل وإن لم يكن ثم سبب خاص، لابد لمن أراد الخوض في علم القرآن منه، وإلا وقع في الشبه والإشكالات التي يتعذر الخروج منها إلا بهذه المعرفة[4].

وانطلاقا من هذه النظرة درج المالكية على التوسع في الأخذ بالعرف وفاقوا في الاستناد إليه وتحكيمه فقهاء المذاهب الأخرى، بل نظروا إليه من زاوية النظر المصلحي، إذ في إعماله إعمال للمصلحة، وهذا ما أكده المرحوم أبو زهرة حيث قرر أن: “الفقه المالكي كالفقه الحنفي يأخذ بالعرف ويعتبره أصلا من الأصول الفقهية فيما لا يكون فيه نص قطعي، بل إنه أوغل في احترامه أكثر من المذهب الحنفي لأن المصالح دعامة الفقه المالكي في الاستدلال، ولاشك أن مراعاة العرف الذي لا فساد فيه ضرب من ضروب المصلحة لا يصح أن يتركه الفقيه[5].

ومن هنا تقرر لدى علماء المذهب أن “العرف والعادة أصل من أصول الشريعة يقضى به في الأحكام”[6]، و”أن العادة عند مالك كالشرط، تقيد المطلق وتخصص العام[7]. والمعنى نفسه أكده القرافي بقوله: “القاعدة أن من له عرف وعادة في لفظ إنما يحمل لفظه على عرفه، فإن كان المتكلم هو الشرع حملنا لفظه على عرفه، وخصصنا عموم لفظه في ذلك العرف إن اقتضى العرف تخصيصا أو على المجاز إن اقتضى المجاز وتركنا الحقيقة، أو إضمار أو غيره، وبالجملة دلالة العرف مقدمة على دلالة اللغة، لأن العرف ناسخ للغة، والناسخ يقدم على المنسوخ[8]. ونص الباجي على جواز تخصيص العموم بعادة المخاطبين “لأن اللفظ إذا ورد حمل على عرف التخاطب في الجهة التي ورد منها[9].

يتبع في العدد المقبل….

——————————–

1. لسان العرب، 4/2899.

2. التعريفات، الجرجاني، ص: 149.

3. العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومهما لدى علماء المغرب، ص: 34. الرباط، 1984، طبع تحت إشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.

4. الموافقات، 3/261.

5. مالك، ص420، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، (د.ط.ت).

6. أحكام القرآن، ابن العربي، 4/288، دار الكتب العلمية، ط 1، 1988، بيروت.

7. إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك ،أبو العباس الونشريسي ص: 393 وما يليها. تحقيق بو طاهر الخطابي، الرباط، 1980.

8. شرح تنقيح الفصول، ص: 211.

9. إحكام الفصول في أحكام الأصول، ص: 177، أي إما من جهة اللغة أو الشرع أو الصناعة. انظر، ص: 199 من الكتاب المذكور.

أرسل تعليق