Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ابن القطان – المشيخة (19)

      هذا هو الجزء التاسع عشر من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.

      علي بن أحمد بن علي، أبو الحسن الأنصاري الطليطلي ثم الفاسي (كان حيا سنة 582هـ)

      فاسي الأصل فيما ذكر ابن الأبار[1]، مقرئ محدث، ذكره ابن عبد الملك بالعدالة والفضل، فقال: كان محدثا عدلا فاصلا[2]، وقد تصدر بفاس للقراء وإسماع الحديث فما ذكره ابن الأبار، وتبعه ابن عبد الملك[3]. والتصدر بهذه المدينة في هذا العصر -حيث كانت تموج بالعلماء موجا، وتفور بالمعارف فورا- دليل على نباهة مترجمنا.

      حدث عنه ابن القطان بالإجازة كما ذكره ابن الأبار، وورخ تاريخ صدورها بسنة 582[4].

      وأما مروياته أو مصنفاته؛ فلم أعثر بعد البحث على شيء منها ولست أشك أن في مروياته كثرة، إذ لا يُنسب إلى الحديث، ويُلَقَّب بالمحدث إلا من روى جملة وافرة من كتب السنة، ومنها الأصول المعروفة، وتحمل أيضا طائفة عظيمة من الأجزاء الحديثية، وعرف العالي والنازل، وعرف الأسانيد، وميز الطبقات، واستحضر جملة وافرة من أسامى الرواة، مع التيقظ للمتفق والمفترق، والمؤتلف والمختلف، مع استحضار جملة من مشهوري الثقات، ومعروفي الضعفاء. وبالجملة فإنه لا يتأهل للتحديث إلا مُتسع. والأداء دليل التحمل، والتصدر دليل كثرته وجودته.

      ثم إن في مشيخة أبي الحسن الطليطلي  جلة لهم اتساع في الرواية، وكثرة محمول من الكتب  فقد ذكر من ترجمه أنه سمع من: أبي بكر بن طاهر[5]، وأبي بكر بن فندلة[6]، وأبي عبد الله بن مكي[7]، وأبي جعفر البطروجي: أحمد بن عبد الرحمن[8]، وأبي الحسن شريح بن محمد[9]، وأبي الحسن الحجاري عبد الرحيم بن قاسم[10] وأجازه أبو بكر بن العربي، وعن ابن العربي لا يسأل جلالة، وعلما، وسعة اطلاع؛ وأما من سبقه ممن للطليطلي منهم سماع، فلهم روايات في غاية الكثرة، ونهاية الاتساع، مع التوفر على كثرة الكتب؛ وذلك يُعلم من النقول في التعريف بهم، والتي أدرجتها في الحواشي المناسبة لمواضع ورود ذكرهم في هذا المقال.

      وأما وفاته فلم يؤرخها ابن عبد الملك مع شدة تقصيه، وكل ما وجدته أنه كان حيا سنة 582 إذ أنه أجاز ابن القطان في هذه السنة كما ذكره ابن الأبار في التكملة، وقد التقط الذهبي هذه الإشارة، وهو بارع جدا في صوغ التراجم، فختم ترجمته في معرفة القراء الكبار بقوله “وكان حيا في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة”[11] إشارة إلى سنة وفاته على جهة التقريب، وذكره في تاريخ الإسلام في وفيات سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وكرر نفس العبارة التي ذكرت في معرفة القراء وهي قوله “كان حيا في هذه السنة”[12].

      وأما موضع وفاته فقد يكون بفاس، فقد ذكر ابن عبد الملك أن مترجمنا كان”يعيش من تجارته بسوق القراقين[13]، وقد تصدر بفاس للإقراء وأسماع الحديث[14]” وهذا قد يفهم منه أنه استقر بفاس إلى أن مات، وإذ العيش إذا طاب، ودَرَّ المتْجَر دعا إلى الاستقرار، واتصل ذلك غالبا إلى الوفاة، إذ النفس مجبولة على الميل إلى السهولة في المعايش، وسلوك سبيل والرفق في الحصول على الرزق فإذا رزقت من باب سهل المَدْرَج، مُوَطأ المَوْلج لزمته، وهذا الذي ذكرته إنما هو ظن حملني عليه ما جرى عليه الناس، وقواعد العمران كثيرة الاطِّرَاد قلَّ وجود الاستثناء بها.

      وقد دفعني هذا الظن إلى تتبع سلوة الأنفاس عَلِي أجده فيه مترجما، إذ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله شديد البحث عمن أقبر بفاس من الأعيان فلم أجده ذكره.

      والله أعلم..

———————————————–

  1.  التكملة لكتاب الصلة(3/216).

  2.  الذيل والتكملة (س5/ق1/173).

  3.  التكملة لكتاب الصلة(3/216)، الذيل والتكملة (س5/ق1/173).

  4.  التكملة لكتاب الصلة(3/216) وقال ذلك أيضا ابن عبد الملك في الذيل والتكملة (س5/ق1/173).

  5.  قال ابن بشكوال في الصلة (2/589-590): “من أهل إشبيلية، يكنى: أبا بكر.أخذ عن أبي علي الغساني كثيراً واختص به، وسمع من ابن سعدون القروي. وكان مشهوراً بالحديث ومعرفته معتنياً به، أخذ الناس عنه. وتوفي رحمه الله ليلة السبت وهي ليلة سبع وعشرين من جمادى الأولى من سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة. وكان مولده سنة تسع أربعين وأربع مائة”.

  6.  قال ابن بشكوال في الصلة (2/583-584): “محمد بن عبد الغني بن عمر بن عبد الله بن فندلة،… من أهل إشبيلية، وأصله من مارتلة؛ يكنى: أبا بكر؛ صحب أبا الحجاج الأعلم كثيراً واختص به، وأخذ عن أبي محمد بن خزرج، وأبي مروان بن سراج وغيرهم. وذكر أنه سمع من أبي عبد الله محمد بن عتاب الفقيه بقرطبة كتباً ذكرها.. وكان أديباً، لغوياً، شاعراً، فصيحاً وقد أخذ عنه، وتوفي في عقب شوال من سنة ثلاثٍ وثلاثين وخمسمائة. ومولده في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وأربع مائة”.

  7.  حفيد مكي المقرئ المشهور قال ابن بشكوال في الصلة (1/129-130): “جعفر بن محمد بن مكي بن أبي طالب بن محمد بن مختار القيسي اللغوي: من أهل قرطبة، يكنى، أبا عبد الله.روى عن أبيه محمد بن مكي، ولزم أبا مروان عبد الملك بن سراج الحافظ واختص به وانتفع بصحبته وقال لي: صحبته مدة من خمسة عشر عاماً أو نحوها، وأخذت عنه معظم ما عنده، وأجاز له أبو علي الغساني ما رواه. وأخذ عن أبي القاسم خلف بن رزق الإمام. وكان عالماً بالآداب واللغات ذاكراً لهما، متقناً (في المطبوع متفننا) لما قيده منهما ضابطاً لجميعها، عني بذلك العناية التامة، وجمع من ذلك كتباً كثيرة. وهو من بيته علمٍ ونباهة وفضل وجلالة. اختلفت إليه، وقرأت عليه، وسمعت منه وأجاز لي ما رواه وعني به بخطه. وسألته عن مولده فقال لي: ولدت بعد الخمسين والأربع مائة بيسير. وتوفي الوزير أبو عبد الله بن مكي رحمه الله ليلة الخميس، ودفن بعد صلاة العصر من يوم الجمعة لتسع بقين من محرم سنة خمس وثلاثين وخمس مائة. ودفن بالربض”.

  8.  قال الذهبي في تذكرة الحفاظ (12/1293): “البطروجي العلامة الحافظ الثقة أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الباري الأندلسي:”حمل عن أبي علي الغساني ومحمد بن فرج الطلاعي وأبي الحسن القيسي وخازم بن محمد وخلف بن إبراهيم المقرئ وابن النخاس وطبقتهم، وتفنن في العلوم، روى عنه خلف بن بشكوال وأبو محمد بن عبيد الله الحجري وأبو الحسن محمد بن عبد العزيز الشقوري ومحمد بن إبراهيم بن الفخار ويحيى بن محمد الفهري وآخرون. قال ابن بشكوال: كان من أهل الحفظ للحديث والفقه والرجال والتواريخ مقدمًا في ذلك على أهل عصره وقال غيره: له مصنفات مشهورة وكان عارفًا بالرجال وتراجمهم”.

  9.  قال الذهبي المعين في طبقات المحدثين (47): “مسند الأندلس أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني الأشبلي الخطيب”.

  10.  قال ابن بشكوال في الصلة (2/389): “عبد الرحيم بن محمد بن قاسم النحوي المقرئ: من أهل مدينة الفرج، يكنى: أبا الحسن. روى عن أبي علي، وخازم بن محمد، ومحمد بن الموَرة وغيرهم. وكان: من أهل المعرفة والفهم، والذكاء والحفظ، قوي الأدب، كثير الكتب. وكان دَيّناً، فاضلاً، خيراً، كثير الصلاة، صاحب ليل وعبادة، كثير البكاء، حتى أثر ذلك بعينيه. وتوفي رحمه الله عقب شعبان من سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة”.

  11.  معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار  للذهبي. تحقيق الدكتور طيار آلتي قولاج (م3 ص: 1085).

  12.  تاريخ الإسلام 12/753.

  13.  وجدت للدكتور محمد الشريف تعاليق جيدا في إحدى حواشيه على تحقيقه للمستفاد للتميمي تتعلق بالأقراق ،التي إليها ينسب السوق فقال: “قرق، ج. أقراق. (باللاتينية cortex، وبالأسبانية alcorque) يطلق على نوع من الخفاف نعله من الفلين، صانعه قراق، وما يزال سوق القراقين معروفاً في فاس. ألفاظ مغربية، م. س. ص: 305؛ dozy، supplement. Op. cit. II، p. 342.” 2/25 الهامش 5 (المستفاد في مناقب العباد بمدينة فاس وما يليها من البلاد، لأبي عبد الله محمد بن عبد الكريم التميمي الفاسي، تحقيق: د محمد الشريف، نشر: كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، الطبعة: الأولى 2002).

  14.  الذيل والتكملة (س5/ق1/173).

أرسل تعليق