Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

هوادي التعرّف (33)

التصوف على “طريقة الجنيد السالك” حَسب ما سُطِّر في منظومة فقيه القرويين ابن عاشر، ووِفق ما تَوارث في الأمة، يتــقــعّــد على ثمانية شروط ومبادئ:

المبدأ الثالث في طريق التصوف: صحبة الشيخ العارف بالله (2):

عن أهميته قال ابن القيم: “فالرب سبحانه بسط هؤلاء مع خلقه، ليقتدِيَ بهم السالك ويهتديَ بهم الحَيران، ويُشفى بهم العليل، ويُستَضاءَ بنور هدايتهم ونصحهم ومعرفتهم في ظلمات دياجي الطبع والهوى. فالسالكون يقتدون بهم إذا سكتوا، وينتفعون بهم إذا نطقوا؛ فإن حركاتهم وسكونَهم لمّا كانت بالله ولله وعلى أمر الله جذبت قلوب الصادقين إليهم”[1].

فصُحبةُ الـمُحقِّقين من الصِّدِّيقين والصالحين هو السبيل والطريق الذي نُردِّدُه ونطلبه في كل يوم في صلواتنا في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ” [الفاتحة، 5-6]، أيْ طريق الذين أنعمَ الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا؛ حَسُنَ أولئك رفيقا في الدنيا وحَسُنَ أولئك رفيقا في الآخرة.

ولَمْ يبْقَ بعْد النبوة إلا الصِّدِّيقين والصالحين من الربَّانيين، وصُحبتُهم والأخذ عنهم سراج يضيء الطريق للسالكين في دروب الصالحين. والصديقية والربانية وِراثة النبوة، وهي أفضل درجات الأمة؛ ولا بد في السفر إلى الله من دليل وإلا ضل السالك سواء السبيل.

قال ابن القيم في تفسيره القيِّم لقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ” “ولمـّا كان طالبُ الصِّراطِ المستقيم طالبَ أمرٍ أكثرُ الناس ناكِبُون “مُعْرِضون” عنه.. نبَّهَ الله سبحانه على الرفيق في هذه الطريق، وأنهم هم الذين أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا” [النساء، 68]، فأضاَفَ الصراط إلى الرفيق السالكين له، وهُم الذين أنعم الله عليهم، ليَزول عن الطالب للهداية وسلوكِ الصراط وحشةُ تفرُّدِه عن أهل زمانه وبني جنسه. ولْيَعلَم أن رفيقه في هذا الصراط هُم الذين أنعم الله عليهم، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له؛ فإنهم هم الأقلون قدرا وإن كانوا الأكثرين عددا”[2].

وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: “إنه لما قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمْ لم يقتصر عليه، بل قال: “صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وهذا ما يدُلُّ على أن المريد لا سبيل له إلى الوصول إلى مقامات الهداية إلا إذا اقتدى بشيخ يَهديه إلى سواء السبيل ويُجنِّبُه من الوقوع في الأغاليط، وذلك لأن النقص غالبٌ على أكثر الخلق وعقولهم غيرُ وافية بإدراك الحق، فلا بُـدَّ من كامل يَقتـدي به الناقـص حتى يتقوَّى عقلُ ذلك الناقص بنور عقل الكامل”[3].

فالإنسان الفطِن إذاً يتشوّف ويتشوّق إلى معرفة وصُحبة أصحاب الرُّتب العلَّيةِ، والدرَجات السّنيِّة، أهلِ السّبق والقُرب كي يتصف بصفاتهم، ويتخلق بأخلاقهم، وتمتزج روحه بأرواحهم، ويفوزَ بدرجاتهم.

من أجْل هذا المعنى، كان البحث عن القدوة والنموذج الأمثل للأخذ عنه منذ الصدر الأول للإسلام؛ مِن ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه أنّ عبد الرحمان بن يزيد، وهو مِن أئمّة وفقهاء التابعين، قال: “سألنا حُذيفة بن اليمان عن رجُلٍ قريب الهدي والسمت مِن النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه..”[4].

فلم يكن بحثُهم عن النموذج والقدوة من أجل أخذ الفقه والأحكام، فقد كانوا أئمّتَه، ولكنّ بحثَهم كان عمّا يُرقِّق القلوب ويُنهض الهِمم، إنّه البحث -كما جاء في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري– “عن السلوك والسكينة والوقار”[5].

يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..

—————————-

1. مدارج السالكين، ابن القيم الجوزية، دار الحديث، القاهرة، 2005م، (3/239).

2. التفسير القيم” لابن القيم الجوزية، دار الفكر، 1988م، ص: 21.

3. الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره لسورة الفاتحة، طبعة المكتبة التوقيفية، ج1 ص: 185.

4. صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، دار الحديث، القاهرة، طبعة 2004م، (3/29).

5. إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، العلامة القسطلاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج 6، ص: 138.

أرسل تعليق