Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث الجزء (27)

      هذا هو المقال السابع والعشرون من هذه السلسلة المعنونة بـ: “من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث”، وشخصية هذا الجزء هو الإمام العلامة المحدث الناقد سيدي أحمد بن الصديق رحمة الله، وقد اتفقت الكلمة عليه أنه كان عين الأعيان، وفرد الأفراد في عصره بالنسبة إلى المعرفة بالحديث صحيحا وضعيفا، والكلام على أسانيده والبحث عن علله على طريقة المحدثين الكبار، وكتبه أصدق شاهد على ذلك، فمن طالع “المداوي لعلل الجامع الصغير وشرح المناوي”، و”النهاية في تخريج أحاديث البداية”، و”درء الضعف”، و”فتح الملك العلي”، و”مسالك الدلالة”، و”ليس كذلك”، في الاستدراك على كبار الحفاظ، و”المغير” ونحوها، بان له بوضوح ما كان عليه الرجل من تمكن في هذا الفن، مع الفهم وسعة الإطلاع، وجودة النقد.

      وقد وفقتُ على كلام كثير من المخالفين والمؤالفين فيه، فوجدتها اتفقت على كونه إمام هذه الصناعة، العارف بمداخلها ومخارجها، وقد أطلق عليهم كثير منهم لقب الحافظ، نظرا لمعرفته التامة بهذا الفن، وبالجملة فالرجل أحد مفاخر المغرب.

      وأما الحفظ الذي لأجله أوردته في هذه السلسلة؛ فإنه رحمه الله كانت له مجالس لإملاء الحديث بالمغرب ومصر[1]. وذكر شقيقه العلامة سيدي عبد الله أنه أحيى سنة الإملاء هذه التي انقطعت بموت الإمام المرتضى الزبيدي[2]، ونُقِلَ عنه أنه أملى مجالس حديثية بجامع الكبير بطنجة، فكان يملي أكثر من خمسين حديثا في المرة الواحدة بأسانيدها من حفظه بلا تلعثم، حتى إذا فرغ منها رجع للأول فتكلم على سنده وغريبه وفقهه، ثم الثاني وهكذا، وإذا تكلم على رجال الحديث كأنهم نصب عينيه فله بهم خبرة تامة جرحهم وتعديلهم و طبقاتهم[3].

      وقد أشار إلى هذا الأستاذ البحاثة المطلع السيد محمد بوخبزة حفظه الله في مرثيته له فقال:

          مَن للأحاديث يمْليها ويُوسِعها            بحثا ونقدا بقول ساطع الحجج

      والإملاء يحتاج إلى حفظ واستحضار، وإملاء الحديث خاصة صعب المرتقى إلا على قوي الحافظة، لما يلزم المملي من حفظ الأسانيد وذلك ليس بسهل؛ ولأجل ذلك لم يتصدر له إلا الواحد بعد الواحد من أهل الضبط والإتقان مع جودة الحفظ وقوة النّفْسِ، وقد جعله الخطيب البغدادي أعلى مراتب رواة الحديث لإنبائه عند المذكور فقال: “يستحب عقد المجالس لإملاء الحديث؛ لأن ذلك أعلى مراتب الراوين”[4]، ثم سرد طائفة من الدين تصدوا للإملاء، منهم شعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، ومحمد بن إسماعيل البخاري، والفريابي، وأبونعيم، وأحمد بن سلمان النجاد، وهؤلاء جميعا حفاظ كبار[5].

      وتبعه في ذكرهم السمعاني في “أدب الإملاء والاستملاء”[6]، ثم ذكر بعدهم جماعة من المتأخرين المتصدرين له فساق منهم: أبا الفتح ابن أبي الفوارس، والحاكم أبا عبد الله محمد بن عبد الله، وأبا عبد الله محمد بن إسحاق ابن منده[7]، وهم حفاظ معروفون.

      والإملاء نفْسه شديد؛ ولأجل ذلك كثرت الوصاة بالاستعانة فيه بالكتاب، وقد قال السمعاني في “فصل في أدب المملي”: “ولا يحدث إلا من كتابه؛ فإن الحفظ خوان”[8]، فإذا كان الإملاء من كتاب شديدا لما يلزم فيه من التوقي في سرد المتون والأسانيد، من التحريف والتصحيف واللحن وإسقاط الكلمة، أو الإخلال بذكر عَلَم؛ فإنه أي الإملاء اتكالا على الحفظ أشد.

      وحاصل القول وفذلكته: الاستشهاد بالإملاء الذي ذُكر به الشيخ سيدي أحمد بن الصديق على بديع حفظ المغاربة للحديث الذي هو مقصود هذه المقالات.

يتبع

————————-

 1.  سبيل التوفيق: 49.

 2.  سبيل التوفيق: 49.

 3.  تشنيف الأسماع: 76.

 4.  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 55.

 5.  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 55- 57.

 6.  أدب الإملاء والاستملاء: 15.

 7.  أدب الإملاء والاستملاء: 23.

 8.  أدب الإملاء والاستملاء: 46.

التعليقات

  1. مازن الجعيد

    في أي عصر عاش الشيخ / العلامة المحدث الناقد أحمد بن الصديق؟
    ومن هم أبرز شيوخه وتلاميذته؟
    ومتى توفي؟

أرسل تعليق