[ترجمة الإمام مالك]

 

1. اسمه ونسبه ومولده

هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن نافع بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن حيثل بن عمرو بن الحارث الأصبحي الحميري المدني^[1].

أبوه أنس أحد رواة الحديث، روى عنه ولده مالك وابن شهاب شيخ مالك،  وأما أمه فهي العالية بنت شريك بن عبد الرحمن بن شريك الأزدية، وعماه ربيع ونافع، كانا عالمين محدثين، وأما جده مالك، فكنيته أبو أنس، وهو من كبار التابعين يروي عن عمر وطلحة وعائشة وأبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين، وكان ممن يكتب المصاحف حين جمع عثمان رضي الله عنه المصاحف. وأما جد أبيه وهو عامر بن عمرو، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد المشاهد كلها خلا بدرا.

وأما مولده فقد قال القاضي أبو الفضل عياض: “اختلف في مولده اختلافا كثيرا فالأشهر فيما روي من ذلك قول يحي بن بكير أن مولده سنة ثلاث وتسعين من الهجرة“^[2]. في خلافة سليمان بن عبد الملك بن مروان.

2. طلبه للعلم وحرصه عليه

نشأ الإمام مالك في أحضان أسرة علمية متميزة، وكان شغوفا في طلب العلم وحريصا عليه، فأرشدته أمه إلى ملازمة ربيعة الرأي فقالت له: “اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه“^[3].

وبذل في سبيل العلم كل غال ونفيس، حتى “نقض سق بيته ليبيع خشبه”^[4].

وفيما يلي بعض صور حرصه وشغفه بالعلم:

• أنه انقطع إلى ابن هرمز سبع سنين، وفي رواية ثماني سنين فلم يخلطه بغيره، وكان رحمه الله يجعل في كمه تمرا يناوله لصبيان ابن هرمز، ويقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ فقولوا: مشغول^[5]. وكان مالك قد اتخذ تبانا محشوا للجلوس على باب ابن هرمز يتقي به برد حجر هناك^[6].
• وكان رحمه الله حريصا على التبكير في طلب العلم والمنافسة مع أقرانه على احتلال الصف الأول، يحكي عن نفسه أنه “يأتي ابن شهاب في داره في بني الديل، وكانت له عتبة حسنة كنا نجلس عليها نتدافع إذا دخلنا عليه“^[7].
• ومن حبه للعلم وأهله واغتنامه للفرص، أنه يقود نافعا مولى ابن عمر، من منزله إلى المسجد، وذلك لما كف بصره فيغتنم الفرصة في سؤاله والاستفادة منه، وقال رحمه الله: “كنت آتي ابن هرمز بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل“^[8]. وقال رحمه الله: “كنت آتي نافعا نصف النهار، وما تظلني الشجر من الشمس أتحين خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة كأني لم أرده، ثم أتعرض له فأُسلم عليه وأدعه، حتى إذا دخل البلاط أقول له: كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟ فيجيبني ثم أحبس عنه وكان فيه حدة”^[9].
• وبلغ من حرصه الشديد على تعلم العلم أنه يتحين فرصة لقاء مشايخه في كل وقت وحين ولو في الأعياد والمناسبات ولا يمنعه ذلك من الأخذ عنهم والنهل من معينهم، وفي ذلك يقول رحمه الله: “شهدت العيد، فقلت: هذا اليوم يوم يخلو فيه ابن شهاب، فانصرفت من المصلى حتى جلست على بابه، فسمعته يقول لجاريته: انظري من على الباب، فنظرت، فسمعتها تقول: مولاك الأشقر مالك. فقال: ادخليه، فدخلت، فقال: ما أراك انصرفت بعد إلى منزلك، قلت: لا حاجة لي فيه، قال فما تريد؟ قلت: فحدثني سبعة عشر حديثا، ثم قال: وما ينفعك أن أحدثك ولا تحفظها؟ قلت: إن شئت رددتها عليك، فرددتها عليه“^[10].

يتبع في العدد المقبل..

————————————

1. نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، لأبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله القلقشندي، دار الكتب العلمية، بدون طبعة، ص: 236.

2. ترتيب المدارك، 1/101.

3. ترتيب المدارك، 1/114.

4. ترتيب المدارك، 1/114.

5. ترتيب المدارك، 1/114.

6. ترتيب المدارك، 1/115.

7. ترتيب المدارك، 1/115.

8. ترتيب المدارك، 1/116.

9. ترتيب المدارك، 1/116.

10. ترتيب المدارك، 1/117.