Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

طرق تمويل الاستهلاك الاختيارية.. (7)

دور مؤسسة الوقف  في تمويل الاستهلاك

إن مؤسسة الوقف قد لعبت دورا حضاريا رائدا في معالجة الفوارق الاجتماعية، والتفاوت الطبقي داخل المجتمعات الإسلامية، فقد شكل الوقف أحد القنوات التي اتجهت إليها جهود أفراد الأمة الإسلامية من أجل خدمة المصالح الجماعية للأمة الإسلامية. وقد ساهمت مؤسسة الوقف في تمويل الاستهلاك من جانبين: الأول: طريق مباشر، والثاني: غير مباشر.

أما الطريق المباشر فهو الذي يتم فيه توجيه التمويل مباشرة إلى الجهة التي تستحقه كوقف البيوت الخاصة للفقراء يسكنها من لا يجد ما يشتري به دارا أو يستأجرها، والمطاعم التي يفرق فيها الطعام للفقراء والمحتاجين، ووقف القرض الحسن لمن يحتاج إليه، والوقف لعلاج المرضى والوقف على طلبة العلم.

وقد شهد المجتمع الإسلامي مشرقا ومغربا نماذج مشرقة من الوقف تعكس البعد الإحساني الذي تخلق به أفراد الأمة.

ففي المشرق كانت هناك مجموعة من الأوقاف منها:

  • أوقاف المطاعم الشعبية لتوزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين كتكية السلطان سليم، والشيخ محيي الدين بدمشق وتكية الحرم الإبراهيمي بالخليل؛
  • وقف بيوت للحجاج بمكة ينزلونها حين يأتون إلى الحج؛
  • وقف لآبار في الفلوات لسقاية المسافرين، والزروع والماشية؛
  • تخصيص كثير من الأوقاف للقطاء، واليتامى، والمقعدين، والعجزة، والعميان، والمجدومين ليعيشوا فيها، ويجدوا فيها السكن والغذاء واللباس والعلاج؛
  • أوقاف للتزويج وخصصت للشباب والفتيات الذين تضيق أيديهم وأيدي ذويهم عن نفقات الزواج والصداق؛
  • نقطة الحليب وهو من أوقاف صلاح الدين الأيوبي، حيث جعل رحمه الله في أحد أبواب القلعة بدمشق ميزابا يسيل منه الحليب، وميزابا آخر يسيل منه الماء المذاب فيه السكر، تأتي الأمهات يومين في كل أسبوع ليأخذن لأطفالهن ما يحتاجون إليه من السكر والحليب[1].

أما المغرب فقد عرف تطبيقا واسع الانتشار للوقف في جميع مجالات الحياة، إلا أننا سنقتصر هنا على ما يهم موضوعنا[2].

ففي الميدان الصحي نجد الوقف ساهم في تمويل استهلاك عدد كبير من الأفراد من المأوى والعلاج والأكل والشرب، فيحكي ابن أبي زرع عن أبي يوسف يعقوب ابن عبد الحق المريني (685 -656هـ/1286-1258م) أنه كان كثير الخير والرأفة على الضعفاء والمساكين، بنى المارستان للمرضى والمجانين، وأجرى عليهم النفقات وجميع ما يحتاجون إليه من الأغذية والأشربة.

وبنى يوسف بن يعقوب المريني مستشفى باب الفرج بفاس، ووقف عليه عقارات كثيرة برسم النفقة عليه وحفظه، ومن هذه الأوقاف كان يصرف على المرضى ونزلاء المستشفى[3].

كما أنشأ السلطان عبد الله الغالب (أحد ملوك الدولة السعدية) بمراكش مارستانا، ووقف عليه أعيانا كثيرة خصصت لمعالجة المرضى وإطعامهم، وأداء مرتبات الأطباء والقائمين عليه[4].

وفي الميدان الاجتماعي ساهم الوقف في تمويل استهلاك الشيوخ والعجزة والضعفاء والفقراء، ممن لا يستطيعون الإنفاق على أنفسهم، فقد بنى أبو الحسن المريني دورا شبيهة بالرباط برسم سكنى من دخل مرحلة الشيخوخة من الضعفاء الملازمين للخير[5].

وساهم الوقف في تمويل استهلاك الطلبة والأساتذة فقد بنى أبو يوسف يعقوب سنة 670 مدرسة الحلفائيين (الصفارين حاليا) ووقف عليها العديد من الرباع، وبنى المدارس ورتب فيها الطلبة لقراءة القرآن، وأجرى عليهم المرتبات في كل شهر.

فهذه النماذج تعكس كيف ساهم الوقف في تمويل استهلاك فئة كبيرة من أفراد المجتمع تمويلا مباشرا.

أما التمويل غير المباشر للاستهلاك فيتمثل في مساهمة الوقف في تحسين مداخيل فئات كثيرة، كالموظفين الدينيين، ومحاربة البطالة عن طريق التشغيل، والمساهمة في المشاريع الإنمائية كبناء العقارات وتشجير الأراضي.

ولا شك أن هذه المشاريع تتطلب رأس مال بشريا “يد عاملة” وهذا يتطلب بدوره أجرا ومكافأة لهذه الفئات، مما يساهم في توسيع قاعدة المستفيدين من هذه المشاريع، وهذه المداخيل التي يتم الحصول عليها تتحول إلى نفقات استهلاكية.

إن أثر الأوقاف لا ينحصر لا ينحصر في الميدان الديني والثقافي، فهي إلى جانب ذلك تقوم بدورها في الميادين الاجتماعية والاقتصادية.

ففي الميدان الاجتماعي تمنح الأوقاف مكافآت مالية لعدد من الموظفين القائمين على خدمة المساجد والمؤسسات الدينية، وتساهم كذلك في التخفيف من وطأة البؤس والفاقة على عدد مهم من المحتاجين.

وفي الميدان الاقتصادي تفتح الأوقاف أوراشا كثيرة في مختلف أنحاء المملكة لبناء المساجد والبنايات، وتقوم بتشجير واستصلاح آلاف الهكتارات من الأراضي التابعة للأوقاف[6].

وهكذا يتبين دور الوقف في تمويل الاستهلاك والمساهمة في مكافحة مظاهر البؤس، والحرمان في المجتمع الإسلامي.

يتبع في العدد المقبل..

————————————————–

 1. الاتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي، محمد فاروق النبهان، ص: 349.

  • المجتمع المتكافل في الإسلام، عبد العزيز الخياط، ص: 194.

2. يمكن الرجوع هنا إلى بعض الدراسات القيمة التي أنجزت حول موضوع الوقف ككتاب “دور الوقف في  الحياة الثقافية على عهد الدولة العلوية” لأستاذنا الدكتور السعيد بوركبة طبع بإشراف وزارة الأوقاف بالمغرب 1417هـ-1997م.

  • وكتاب أوقاف مكناس في معهد مولاي إسماعيل للأستاذة رقية بلمقدم، طبع بإشراف وزارة الأوقاف 1413هـ/1993م.
  • وكتاب الأستاذ محمد عبد العزيز بن عبد الله، الوقف في الفكر الإسلامي، كما يمكن الرجوع إلى دراسات كثيرة نشرت بدعوة الحق.

3. روض القرطاس لابن أبي زرع، ص: 298.

4. نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، محمد الصغير اليفرني، ص: 51.

5. دور الأوقاف المغربية في التكافل الاجتماعي عبر عصر بني مرين، محمد المنوني، ص: 35-27 دعوة الحق، العدد: 230 – 1983.

6. راجع كثيرا من المعطيات حول دور الأوقاف في كتاب الأوقاف في ظل صاحب الجلالة الحسن الثاني ومنجزات عشر سنوات من: 1971-1961 طبع وزارة الأوقاف والشؤون لإسلامية.

أرسل تعليق