Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

شعاع البصيرة يشهدك قربه منك، وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده

      في هذه الحكمة المباركة، يُبرز الشيخ بن عطاء رضي الله عنه أن البصيرة ثلاث درجات، وإذ كانت البصيرة هي قوة القلب المدركة، أو عين الروح، فإنها لها درجات من الانفتاح يمكن فهمها من خلال تأمل درجات انفتاح المقلة البصرية، فكما أن المقلة البصرية تنفتح بعد طول عشى فلا تبصر إلا الشعاعات.

      فالبصيرة التي هي قوة القلب المدركة، تنفتح بعد طول غفلة حين تغمرها شعاعات إدراكية وواردات نورانية، وهذا هو الذي يسميه الشيخ رحمه الله “شعاع البصيرة”، مظهرا أن هذه المرتبة الأولى من مراتب البصيرة تجعل صاحبها يشهد قربه من الموجِد جل جلاله، إذ يكون هذا المدرك قيد الاستيقاظ، فلا يكون منه غياب عن السوى؛ لأن أنوار البصيرة قد طفقت للتو بالانبجاس، فلا يشعر إلا من خلال ذاته والتي كان إلى عهد قريب لا يُحس سواها، فتكون هذه الذات محتفظة بكثافتها ولكن بطريقة محمودة؛ لأنها هنا وسيلة شهود الموجِد.

      وأما المرتبة الثانية من مراتب البصيرة، فيسميها الشيخ رحمه الله “عين البصيرة”، وهي مرتبة تحصل معها غيبة عن السوى، يكون سببها الانجذاب نحو حضرة الحق سبحانه، لما يغمر السالك من أنوار فلا يرى أو يشهد إذ ذاك إلا نور وجود الحق، وهو ما يسميه القوم الفناء، وهو وقوف عند المرتبة الأولى من مراتب آية النور، أي قول الله عز وجل: “الله نور السموات والأرض” [سورة النور، الآية: 35]، وهي مرتبة يحصل معها الاستغناء بوجوده عن كل وجود، بما فيه وجود الذات التي لا تبقى لها الكثافة المعهودة لها سلفا، وهو ما عبر عنه الشيخ رحمه الله بقوله: “وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده”.

      وأما المرتبة الثالثة من مراتب البصيرة فهي تلك التي سماها الشيخ رحمه الله “حق البصيرة”، والذي يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك، فلا أنت موجود لفنائك، ولا أنت فان لوجودك، فتُرابِيتك ناتجة من خلق العدم، وروحانيتك واردة من عين الوجود، وهو مقام المتمكنين الذين استوت بصائرهم فانفتحت بعد طول غفلة، ثم انبهرت لغمرة الأنوار لتستوي بعد ذلك تحت لواء قوله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده”، فأنوار الصمدانية السبحانية لم تمح افتقار العبودية التبعية، فبشعاع البصيرة يقوم لسان الميزان، وعين البصيرة بالقسط يقيم الميزان، وحق البصيرة يضمن عدم إخسار الميزان، وهو قول الله تعالى: “والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان” [سورة الرحمن، الآية: 7-9]، فشعاع البصيرة يُمكّن من استبصار الخلق بالحق، وعين البصيرة يورد على فناء الخلق في الحق، وحق البصيرة يُعَبّد المرضي من الخلق لجناب الحق.

      والله الهادي إلى سواء السبيل.

الأمين العام

                                                            للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق