Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دعاء الآيات

“قال رب اجعل لي ءَاية قال ءَايتك ألاَّ تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والاِبكار” [ال عمران، 41]

أخبر زكريا عليه السلام ببشرى الولد في قوله تعالى: “فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله” [اَل عمران، 39]. لما أخبر عليه السلام بهذه البشرى طلب من الله تعالى أن يكرمه بالآية التي تدل على ذلك.

إن ما يبرر ويفسر دعاءه في نظر بعض المفسرين، هو رغبته القوية التي يريد من خلالها أن يتحقق من كون الوعد بالولد وارد من الله تعالى[1]. بل ذهب بعضهم إلى القول بأن الصيام عن الكلام للناس كان عقوبة له بسبب تردده في صحة ما أخبره الملك[2]. ولا يسعنا إلا الاعتراض عن هذا المسلك في فهم دعاء زكريا لأن أنبياء الله عز وجل لا يلتبس عليهم خطابه.

لقد حبس الله تعالى لسان زكريا عن أمور الدنيا ومشاغلها، وفي مقابل ذلك أقدره على الذكر والتسبيح والتهليل. وهو فهم نقله الرازي وعضده بقوله: “إن المستغرقين في بحار معرفة الله عادتهم في الأول أن يواظبوا على الذكر اللساني مدة. فإذا امتلأ القلب من ذكر الله سكت اللسان، وبقي الذكر في القلب، ولذلك قالوا: “من عرف الله كل لسانه، فكأن زكريا عليه السلام أمر بالسكوت واستحضار معاني الذكر والمعرفة و استدامتها[3]. وعلل الإمام ابن عاشور الصيام عن كلام الناس بقوله: “إن الله صرف ماله من القوة في أعصاب الكلام المتصلة بالدماغ إلى أعصاب التناسل بحكمة عجيبة[4]. والحق أنه إذا سلمنا بأن الله تعالى هو الذي يحكم قانون السببية، ولا يمكن لهذا القانون أن يحكمه سبحانه علمنا أن آية الصيام عن الحديث إلى الناس وكثرة الذكر والتسبيح هبة أخرى وهبها الله عز وجل لزكريا تضاف إلى هبة الذرية. وهكذا إن هذه الهبة علامة أخرى تدل على محدودية العلم البشري ونسبية عوائده وقوانينه، يخرقها الله تعالى بما يمده من معجزات لأصفيائه من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. ولله ذر الأستاذ سيد قطب رحمه الله عندما قال: “أي قانون يحكم هذه الظاهرة؟ إنه قانون الطلاقة الكاملة للمشيئة العلوية”.

يتبع في العدد المقبل..

————————————————

1. وهكذا روى الطبري عن السدي وعكرمة أن الشيطان هو الذي شككه في نداء الملائكة. وهو ما تعقبه الشيخ محمد عبده بقوله: “ولو لم يكن لمن يروي مثل هذا إلا هذا لكفى في جرحه، و أن يضرب بروايته على وجه، فعفى الله عن ابن جرير إذ جعل هذه الرواية مما ينشر“. تفسير المنار، ج: 3، ص: 261.

2. ابن عطية، المحرر الوجيز، ج: 1، ص: 432.

3. تفسير مفاتيح الغيب للرازي، ج 8، ص: 41.

4. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج: 3، ص: 243.

أرسل تعليق