دة. هناء البيضاني… ترصد الثورة الرقمية في الثقافة الإسلامية
أكدت الدكتورة هناء البيضاني مديرة شركة “تراديجيتال لتحديث الأنظمة الرقمية” أن التطورات التي يعرفها المجال الإلكتروني في الساحة الإعلامية، فرضت على الكثير من المواقع الإلكترونية الإسلامية تفعيل خيار التأقلم، لاعتبارات عدة، أهمها المساهمة في الحفاظ على الموروث الثقافي للعرب والمسلمين، وحذّرت الخبيرة في الأنظمة الرقمية، في هذا الحوار الذي خصّت به جريدة “ميثاق الرابطة”، من استفحال نِسب الأمية التكنولوجية؛ من منطلق أنها لا تساعد على تنمية نصيب الثقافة الإسلامية من الثورة التكنولوجية المَرجوة.
1. بداية، ما هي قراءتكم للثورة الرقمية الهائلة التي يشهدها عالمنا اليوم عموماً؟
يعتبر النشر الإلكتروني من أهم التقنيات المعاصرة التي تسهم في تعميم المعرفة وإيصالها إلى أي مكان في العالم، و قد فرضت الصحافة الإلكترونية نفسها على الساحة الإعلامية كمنافس قوى للصحافة الورقية، وساعد على هذا ظهور الأجيال الجديدة التي لا تقبل على الصحف المطبوعة، كما أننا نجد ضمن أهم مميزات الصحافة الإلكترونية، نقلها للنص والصورة معا لتوصيل رسالة متعددة الأغراض، والاحتفاظ بالزائر أكبر وقت ممكن حتى لا تتحول الجريدة الإلكترونية إلى نسخة الكترونية من الصحف التقليدية، كما أن هناك مميزات لقارئ الصحف الإلكترونية منها مثلا، السرعة في معرفة الأخبار، ورصدها لحظة بلحظة على العكس من الصحف التقليدية التي تقوم بالرصد والتحليل للموضوعات، كما يتيح النشر الإلكتروني التفاعل مع المادة المنشورة سواء عبر إرسال تعليق إلى الناشر أو الكاتب عبر البريد الإلكتروني أو عبر إدراج تعليق/ قراءة/ نقد/ تصويب في مكان النشر ذاته مما يتيح للكاتب أن يرى ردود الأفعال التي تحدثها كتابته… إلخ.
كما أدت الأزمات التي تمر بها الصحافة التقليدية، ومن بينها الرقابة عليها ومنع بعض المواد الصحفية من النشر، والأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم العربي، إلى زيادة مواقع الصحف الإلكترونية وزيادة عدد الزوار، مما دفع الصحف التقليدية إلى الاهتمام بمواقعها الإلكترونية على الإنترنت وتحديثها بصفة دورية، فالغالبية من الصحف أصبحت تتجه إلى الإنترنت والإعلام الفضائي في ظل نزيف الخسائر المستمر.
2. ما نصيب ثقافتنا الإسلامية من هذه الثورة الرقمية؟
كما أشرت سلفا، فقد فرضت الصحافة الإلكترونية نفسها على الساحة الإعلامية، بدليل أن هناك الكثير من المواقع الإلكترونية الإسلامية التي تحاول الحفاظ على موروثنا الثقافي مثل موقع إحسان، وهو يساعد أيضا في الاتصال بين المراكز المختلفة حتى يمكن القيام بتبادل الخبرات وبناء جسور تعاون وتكامل بينها، والتعرف على التغييرات التي طرأت على البيئة الاجتماعية، وأنماط العمارة المختلفة في المجتمعات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. وكذلك تسهيل دراسة التراث والمخطوطات على الباحثين.
ولكن في المقابل، لا بد من الإشارة إلى وجود بعض معوقات في نشر المزيد من التطور ومواكبة الثورة الرقمية، ويرجع ذلك لغياب آليات التمويل في مختلف صورها سواء أكان تمويلا ذاتيا أو بصورة إعلانات، حيث إن هناك حالة من انعدام الثقة بين المعلن العربي والإنترنت بصفة عامة. بالإضافة إلى أن نقص المحتوى العربي على شبكة الإنترنت يقف وراء عدم انتشار الصحافة الإلكترونية بصورة واضحة كما هي الحال في الغرب، بالإضافة إلى أنه لا يزال عدد الصحف العربية المطبوعة على ورق يفوق بكثير عدد تلك المتوافرة إلكترونيا على الإنترنت وعلى أقراص مدمجة. المشكلة الأخرى ـ والمطروحة بكثرة ـ في عالم النشر الإلكتروني تتمثل في مفهوم حقوق النشر والملكية الفكرية، فقد أصبح هذا المفهوم من أكثر المفاهيم غموضا وإبهاما في حقبة النشر الإلكتروني.
فقبل ظهور الإنترنت، كان من الصعب فصل الملكية الفكرية للنص عن الوسط الذي يحتويه، حيث اتخذ سابقا كل من النص والفكرة شكلا طباعيا يحفظ حقوق النشر، وكانت القوانين المطبقة بهذا الخصوص واضحة نسبيا. لكن الكثير تغير منذ ذلك الوقت، وما زال هناك من يحب الإمساك بالكتاب عند القراءة، وأنا منهم، ولكن عند البحث الأولي يمكن الاستعانة بالإنترنت لجلب مفاتيح موضوعات مختلفة ثم العودة مرة أخرى للكتاب.
والأمر الذي لا يجب أن يغفل هو وجود أمية تقليدية أو عادية وهى الجهل بالقراءة والكتابة. فكثير من المواطنين في العالمين العربي والإسلامي يعانون من الجهل المظلم، مما يؤثر بالطبع في القدرة على المشاركة والدخول على الثورة العلمية الجديدة. فضلاً عن وجود قطاع كبير بين طلبة المدارس الحكومية الذي مازال يعانى من أمية تكنولوجية عالية ناتجة عن استخدام الوسائل والأدوات التعليمية التقليدية في شرح المناهج الدراسية، مما يجعل الطلبة غير قادرين على مواكبة ركب الإنجاز العلمي في تنمية المهارات، وبطبيعة الحال، فإن هذه الأمية لا تساعد على تنمية نصيب الثقافة الإسلامية من الثورة التكنولوجية.
3. ألا ترون أن هذه المكاسب المعلوماتية الحديثة يمكن أن تقدم خبرة كبيرة لتراثنا الفكري، وتقلّص بالتالي من فجوات تخلفنا عن الركب الحضاري في هذا المجال؟
بالطبع، على اعتبار أن القدرة على الحصول على المعلومة بسرعة وبطريقة سهلة والخوض في تراثنا الفكري من خلال المواقع التراثية المختلفة تؤدى إلى سرعة في النضوج الفكري المعلوماتي يجعلنا قادرين على تخطى الصعوبات في الحصول على المعلومة، فأصبح سهلا الحصول على المعلومات المختلفة والأبحاث، ومعرفة ما يحدث من حولنا في مجال التراث من مؤتمرات ومراكز تناقش هذه المواضيع، مما يعطى الباحث إمكانية إنجاز الأعمال من حيث انتهى الآخرون.
4. من المعلوم أننا نعيش في زمن إعلامي يتميّز على الخصوص بسرعة الحصول على المعلومة، من خلال تقنية التصنيف، ألا يتجه ذلك بفكرنا الإسلامي نحو الدراية دون الرواية؟
بالتأكيد، لا ينكر أحد أن العصر الذي نعيشه هو بحق عصر التقنية حيث ساد العالم خلال السنوات الأخيرة موجة من النشاط التقني القائم على النشاط العلمي. فهناك نوعان من التقنية التصنيفية، الأول عام وهو من خلال الموضوع، فتوضـع الموضوعات ذات القرابة الشديدة في تقارب في التتابع المصنف، فالتكنولوجيا الكيماوية، مثلا، تنتظم مع الكيمياء، وعلم أمراض النبات ينتظم مع تحسين السلالات النباتية. والآخر خاص من خلال الموضوع نفسه من خلال جملة من العناصر تقوم بنقل معلومات عن مادة مسجلة تتضمن كلا من اسم المؤلف واسم الكتاب والناشر وسنة الطبع، وهذا النظام في فهرسة الكتب يضمن سهولة المعرفة، والبحث العلمى، وتحقيق قدر كبير من الضوابط الببليوجرافية، فهو عبارة عن شرح خارجي؛ أي الدراية به، والتي يمكن التعرف عليها من خلال إحدى شبكات الكمبيوتر. فهذا الحقل يعرف بالعلاقة بين التسجيلية الوصفية وبين الوثيقة الالكترونية. وقد قام مصممو الأنظمة الحاسوبية المعدة للاستخدام من قبل المكتبات بتطوير برمجيات تسمح بالاستفادة من ذلك.
5. قمتم بأعمال رائدة في تدوين السنة رقميًّا، ما هي مشاريعكم المستقبلية، وهل هناك نهضة في عالمنا الإسلامي في هذه المجالات؟
تتمثل أهداف الشركة أولا في إنشاء قواعد البيانات الببليوجرافية وتطويرها؛ تصميم البرمجيات وإنتاجها بقصد ترميم المخطوطات وحفظها؛ تصميم برمجيات حفظ مواد التراث الإنساني وقِطَعِ الفنون القديمة وعرضها واستخدامها؛ إنشاء المواقع الإلكترونية على الشبكة الدولية (الإنترنت) وتطويرها؛ إنشاء قاعدة بيانات الحديث النبوي الشريف في صورة آلية متقدمة؛ تطوير برمجية الخط العربي المعروف باسم (خط الملك فؤاد)؛ ترجمة أمهات الكتب المتعلقة بالمخطوطات، والورق، والصيانة، والببليوجرافيا، من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية.
وبالنسبة لأهم الإنجازات التي قمنا به حتى الآن، فيمكن أن ألخصها فيما يلي؛ هناك أولا الإصدار الأول من موسوعة جمع جوامع الأحاديث والأسانيد ومَكْنِز الصَّحاح والسنن والمسانيد، والذي يشمل الكتب الستة والموطأ في ثمانية عشر مجلدا بالإضافة إلى القرص المدمج “CD ROOM” المشتمل على نصوص الكتب المشفوعة بأرقام الصفحات في نسختنا المطبوعة، وعلى مجموعة من الفهارس الفنية تصل إلى عشرين فهرسا حول الأسانيد والمتون؛ ومن أجل التواصل بين الشرق والغرب، أنتجت الشركة قاموس “لين” للترجمة من العربية إلى الإنجليزية.
6. وماذا عن المشاريع المستقبلية للمؤسسة؟
أوجزها على الخصوص في الإصدار الثاني من موسوعة الحديث الشريف ويشمل مُسْنَدَ الإمامِ أحمدَ مُحَقَّقًا على ثمانٍ وثلاثينَ نسخةً خطيةً منها أربعُ نسخٍ كاملةٍ، مع ضبطه ضبطا تاما، ومربوطا بإِطْرَافِ الْمُسْنِدِ الْمُعْتَلِى وإتحاف الْمَهَرَةِ وتُحْفَةِ الأشرافِ، ومُخَرَّجًا من الكتب الستة والموطإ ومُحَمَّلًا على القرص المدمج مشفوعا بالفهارس المتعددة حول الأسانيد والمتون؛ وأيضا، إعداد قاعدة بيانات الكتاب الإسلامي منذ الطباعة حتى نهاية 2010، وذلك لتعريف العالم الإسلامي بما نشر وللحفاظ على تراثنا العربي الإسلامي؛ وتحديث موقع إحسان، مع وضع صور المصاحف المملوكية عليه؛ وأخيرا، وليس آخر، بحول الله تعالى، عمل خريطة ثقافية لحضور المؤتمرات والندوات والمعارض المهتمة بالكتاب والكتب الإسلامية.
حاورتها الأستاذة عزيزة بزامي
رئيسة تحرير جريدة ميثاق الرابطة
أرسل تعليق