Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الشباب لسان الأمة الناطق

 الحياة كفاح وسجلها التاريخ المزدحم، لكنه يغدو ألمع ما يكون في إبراز وهج الحقيقة الإنسانية وجزءا أصيلا للتخفيف من آلام الشعوب وشقائهم، وسعيا لتحقيق آمالهم؛ لأنه ليس من حق فرد أو فئة تحتكر غصبا ما هو حق الأكثرين، أو يستعبد أناس أناسا، وإنما المهم أن يعترف لكل إنسان بحقه ويعاد إليه، وأن ينشر لواء الحرية والعدالة والسلام بين الجميع، وتحطم كل الأصنام الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وبناء مجتمع إنساني مكرم.

ذلك لأن تكريم الإنسان قيمة تفضيلية كبرى، أولاها القرآن الكريم مكانة خاصة، ولقد أهملها القوم اليوم وأفقروا معناها، وقد كان من الطبيعي أن يكرم من سخر الله له الطبيعة وما فيها وجعلها في متناول خدمته، وما ذلك إلا لجوهر هذا الإنسان مفضل لأنه المؤهل لاستكناه الطبيعة واستخراج ما في حضنها من أسرار لخدمة البشرية وتطويع ذلك لسعادة الإنسان وإرادته، لكن السير في الطبيعة والنظر في الكون لابد له من آليات العقل والعلم والتدبر والتفكر ثم العمل لنقل العقل من الدوران حول ذاته إلى الدوران حول ما في الطبيعة من أشياء وأسرار بالتجريب والمشاهدة والاستقراء، لمن أراد أن يقيم توازنا بين الدراسات العلمية المحضة القائمة على التجريد، وبين الدراسات الإنسانية العامة الشاملة.

الشباب لسان الأمة الناطق

والإسلام لا يقبل الزهد والعزوف والقعود عن العمل والانقطاع للعبادة؛ لأن القيمة الكبرى للإنسان هو العمل، وأحوج ما نحتاجه اليوم المهارات والخبرة الفنية، وكل أمر يلهو بنا عن العمل يضعنا خارج الزمن، ومن لم يعمل داخل الزمن فهو خارج عن صلب العصر وأحداثه، والمجتمع الذي يزدري الحرف والمهن فهو مجتمع أصم، ومن لم يعش مع العلم والآلة والانفتاح على أهل الأرض سيبقى خادعا لنفسه ولا يعرف الانتقال من الأسوأ إلى الأحسن، ومن لم يستفد من أخطائه وشقائها سيزداد بؤسا وشقاءا، ومن لم يركب الصعب العنيف لن يتبوأ مكانه مع السائرين، وعلى كثرة المنعطفات فإن الوقوف بين الوهم وتحدي المستقبل سيزداد عزلة في منعطف من غير شك تخريبا للحياة وجذبا يهدد به مصير البشرية بأسرها، وخيبة أمل هائلة ستصل بالجميع إلى حضيض اليأس.

والآن أين هو المخرج من هذه المتناقضات العقيمة؟ وما ذلك إلا لأن أمتنا ما تزال تحمل على أكتافها إرثا لحضارة تعطلت عن التجدد وسقطت في مطبة اليأس والاستسلام للتيار الجارف، ووجوه مسودة ورجولة مسلوبة خائرة، لقد وصلنا إلى قاع المأساة الإنسانية ننام في حظائر النسيان، وما هذا العذاب الكبير إلا شلل وعجز عن الحركة مع الحماس التبريري الأجوف للأحداث الموقتة العابرة.

إن المرحلة الدقيقة الحرجة المخزية التي تجتازها أمتنا اليوم كما تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن رحمة الله عليها: “تحتاج إلى أن نعطيها كل طاقتنا من وعي الذات والنضال عن وجودنا الحر والطموح إلى حياة أعز وأفضل ولكن كيف؟” والواضح أن العجز عن فهم نكوصنا إلى الوراء لأمر مقرف، وكيف صعب على الأمة أن تتمثل الحياة العصرية، وأن تفهم أسرارها فتكتفي بمنابع أقل صعوبة وأيسر هضما وتكتفي بالفتات يرمى لها لذلك أقول: يا قوم إن أمة المرء هي هويته وتاريخه وذاته فالغض منها غض منه، ولا يرضى لنفسه الضعة والصغار إلا مهين عاجز.

ومن سخرية الأقدار عندما يكتشف بعض هؤلاء المخدوعين الحقيقة المحزنة المخزية، ويحاولون أن يأوبوا إلى أنفسهم توصد في طريقهم الأبواب وهناك في السراديب يعلمون أنهم أسرى عصر الرقيق الجديد في ملكية سادة جدد، وثمة وسائل التدمير في الحلقة المفرغة التي تزداد اتساعا وإحكاما يوما بعد يوم لجعل الخبيث بعضه فوق بعض تستوعب المزيد من أفواج المهزومين والمأزومين، فهل إلى كسرها من سبيل؟ إنه القدرة على التحدي والرد عليه بمزيد من الانضباط والقدرة على المقاومة، وأن العمل يعلمنا كثيرا مما يفتح آفاق الذهن، ويمنح الإنسان تنسيقا أكثر فاعلية به يعرف كيف يكون العطاء الذي يحرق وينير في الوقت نفسه.

والشعور بالانهزام والتخلف والضعف خلق هوة سحيقة تفصل في عالمنا الإسلامي القلة المثقفة من النخبة المتعالية عن السواد الأعظم من الأميين وأشباه المتعلمين، مما أدى إلى تثبيط للهمم وإعاقة عجلة التقدم، وتصدع مخيف في جسم الأمة المترهل الواهن أضف إلى ذلك اضمحلال الوازع الديني، وفقدان الفهم الصحيح للرسالة الإنسان في هذه الحياة، مما عمق من جفاف النبع الروحي، ومن هنا يمكننا أن نؤكد أن هناك مشكلة اسمها التسيب وهو تسيب صارخ، وأغلال وقيود تكبل الأمة في كل عضو من أعضائها وأنه لا عذر للواقف الصامت، ومن هنا نرجو من أصحاب القلوب الواعية، والبصائر النافذة والعقول الناضجة حتى نضع للأجيال المقبلة صوى معالم طريق معبدة.

إن النفوس الضعيفة والعزائم الخائرة، والشتات في أودية التيه والضلال والنكران والتشويه والافتراء، وأغلال الضغائن والأحقاد والأنانيات والاستجداء والتسول والاستتار وراء دعاوى الإصلاح الكاذب، كل هذه المثالب تحتاج منا إلى سلاح يحيط بكل المداخل والمسارب بالعمل والنشاط في المدرسة والجامعة والمصنع والمحرف في النادي والمقهى في الحقل والمنجم لاستئصال جذور التخلف ومطاردة دعاته، والإتيان على أساسه من القواعد وفسح المجال للعلماء والعقلاء والحكماء لجرف تيار الباطل والقضاء التام على لجاجة الرداءة والتردي والخليط من المضحكات والمبكيات، ويومها تختفي الحواجز الفاصلة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وتتقارب المسافات المتباعدة.

ويوم نحسن الانتفاع بثمرات السابقين تزكو العاطفة الإنسانية في شتى أقطار العالم فيختفي الزيف وتتعرى الايدي الملطخة بالدماء ويندحر مروجو الترهات والأباطيل، والمطلوب اليوم انتفاضة الحياة والخدمة الملائمة للعصر، وصياغة مسيرة لتصحيح بوصلة التواصل مع الآخر لتلافي الخيبات المتكررة؛ لأن الظروف المعاشة قد أثبتت أن الهزائم ليست بالضرورة نهاية المطاف لدى الأمم الحية، ولكن علينا أن نختار البداية لنسف بذور التجزئة والتفكك التي ما فتئ الأدعياء الذين أنهكوا جهود حماة الخزان الوجداني من كثرة ما وجهوه إليهم من طعنات من وراء الستار حتى هدهم التعب التاريخي.

وإن أخطر ما يواجهنا به هؤلاء المستلبون هو زرع عقدة النقص في أدمغة الشباب، وهي السنوات العجاف من حروب الإبادة والتدمير حملة النذير الكبير، ولأن العلاقة بين الحضاري والتدميري تظل في معظم الظروف غارقة تحت السطح، ورغم كل المآسي فها هي الأمة بشبابها تصارع وحش التخلف أثناء الليل وأطراف النهار، ولم يفقد شبابنا ولو للحظة واحدة يقينه بأنه منتصر في النهاية، وتخرج أمتنا بكاملها من بين مخالب وأنياب الوحش، لأن صوت الحق المشبع بالعمل سيبقى أصفى وأنقى، وستتصدع وتتهاوى صياصي القهر والجمود لينتشر هواء الحرية والتقدم يكنس صناع الهزائم والقحط جثثا يرمى بها في مقبرة الفاشلين، ومن صلب العمل نطارد الألسنة الخرساء ونطيح بسجن المهانة والعجز؛ لأن الطبع الشبابي ليس في حاجة للخطابة الجوفاء التي انبطحت راكعة للهزيمة ويومها تستعيد الشعوب وحدة الشتات، والعودة من جديد لعصر القوة وروح التضحية والفداء، إذ بظهور روح التضحية تختفي الأنانية مصدر الكوارث والهزائم للإنسان.

والشباب الموهوب لا يبالي أن يكون مكانه بين الناس في موقف الرضا أو موضع السخط والغضب، ولا ينظر لغير الهدف الذي جعله لنفسه منذ رأى نور الوجود؛ لأن يكون لسان الأمة الناطق، ورغم الموقف الدقيق والأخطار العاصفة فهم خير من يجدد كيان البشرية، ويعيد مجد الإنسانية الغابر في ملحمة خالدة، ويبنى على أنقاضه جيل جديد قوي يقضي على التدجيل والتدجين، ويحدث في هذا المعمور ما تنبعث به الحياة وإزاحة ذلك الستار الأسود عن تلك النفوس المريضة، والوجوه الكالحة التي قذفت بأمة تحت جنح الظلام، فجعلوا من خير أمة أخرجت للناس ميت الأحياء، وما جرى من المآسي والمخازي.

وختاما فطموحات الشباب تحمل في طياتها دوافع  إشراقية قوية نحو التقدم المزهر، دوافع تقاوم الهزات والأعاصير بالأيدي النقية والقلوب الزكية والأرواح الصافية، لتشيد للإنسانية المذعورة صرح الأماني والسلام الذي به نباهي الأمم، والحصن الذي يحمي كل آو إلى ركنه الشديد، يواصل الارتفاع والارتقاء في سلم برج الإنسانية الشاهق الشامخ الذي نطلق عليه اسم حضارة؛ لأنها تنبع من الإنسان وتصب في الإنسان، تغني ذاته وتشعره بمزيد من الوعي فيستطيع مخاطبة المستقبل، ولا يشغله صوت الماضي إلى الإصغاء إلى صوت الضمير الإنساني، يتنعم فيه كل إنسان بحقوقه وكرامته الإنسانية، وتحقيق أمانيه في الحرية والعدالة وبناء مجتمع إنساني سعيد.

وبالله التوفيق وهو المستعان

أرسل تعليق