Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

عائشة الجيشتيمي.. العالمة المصلحة

إن المتصفح لتاريخ المغرب من زاوية التحقيق والفهم العميق يجد أن هذا الأخير لم يغفل عن ذكر فضائل وكرامات وإنجازات النساء الرائدات العابدات والناسكات والعالمات والمتعلمات اللواتي تجسد دورهن البارز في جملة لا متناهية من المحطات التاريخية من نشر للعلم، وتلقين لأصول الشريعة، وغرس لقيم المحبة وفضائل ومكارم الأخلاق المقتبسة من مشكاة الشريعة الإسلامية السمحة..

السيدة عائشة الجيشتيمي.. السوسية العالمة

ومن نماذج النساء الفضليات عالمة سوسية عرفت بجهادها الفكري الإصلاحي في زمنها إنها السيدة عائشة الجيشتيمي بنت الحاج أحمد بن عبد الرحمن الجيشتيمي، وزوجة الرجل الصالح الفقيه سيدي عمر الأكضييي الذي ينتمي لدار علم وإرشاد[1].

كانت هذه السيدة الفاضلة المثالية ضرب من أضرب الصلاح في عصرها المزدهر فقد شهد لها غير واحد من العلماء بالتقوى والورع في الدين ونشر أصوله السامية في كل الظروف والأحوال وفي كل الأحداث والوقائع.. وفي فضلها يذكر لنا العلامة المختار السوسي في كتابه المعسول:  “.. وعائشة هذه ممن ضرب في المعارف بسهم، وإن كان الذي أعلى شأنها وأعلى كعبها، هو صلاح ومواعظ وإرشاد نافع تعمر به أوقاتها..”[2].

كما كانت هذه السيدة الطاهرة كبيرة المقام وعالية الشأن في قبيلتها (إملن)[3]، فبعد أن تشربت وارتوت من مختلف المعارف والعلوم العلمية العربية و”الشلحية[4] وحفظ للقرآن الكريم وتعلم علم التوحيد وقواعد الأحكام والنهل من علم التصوف وهو علم التحقق المهتم بطهارة القلوب.. عملت على نشر تعاليم الدين الحنيف وتلقين أصوله..  لكل الوافدات عليها من بنات قبيلتها؛ وإلى جانب ذلك فلقد كانت هذه السيدة الصالحة تخرج إلى القبائل المجاورة لها رافعة لواء العلم، وقد شهد لها كل جيران قبيلتها أنها كانت فريدة من نوعها، فهي العالمة المصلحة، العابدة الزاهدة..

ومن منظور آخر يروي لنا العلامة المختار السوسي جانبا من حياتها الزوجية ويذكر “أنه لما خطبها الفقيه سيدي عمر الأكضييي من والدها أبت أمها ذلك، فزوجها منه والدها على رغما عنها لما رضيه من علمه ودينه، ثم وفد عليهم يوما، فقال الجيشتيمي لزوجته: “أخرجي لصهرك”، فقالت له: “إنني لم أزوجه إنما هو صهرك الذي زوجته، فلا يرين وجهي أبدا”، فقال: “وأما وقد أبيت أن تسلكي طريق السنة فألحقي بأهلك”، فطلقها على ذلك، ثم قست عليها الأيام فلم تجد لها عونا ولا سندا إلا صهرها ذاك، فانقطعت إليه عند ابنتها عائشة..”[5].

وقد رزقت السيدة عائشة أولادا منهم الفقيه سيدي محمد بن عمر أستاذ مدرسة(ايكضي)[6] أزمانا إلى أن توفي، وكان من علماء سوس الأجلاء، وحين توفيت السيدة عائشة رثاها شاعر جزولة سيدي محمد بن عبد الله العثماني بقصيدة رائعة[7] مطلعها:

قم واملأ القـــــطر الكــــئيب عـــويلا          إنـــــــي رأيــــت اليــــوم صبرك عيلا

حزنا علــــــــــــى (بنت الفقيه) وهل بكت          عــــين علـــى أمثالــــها مســـــبولا

 كابــــدت فـــــي الإرشاد كـــل مشقة          وكــــــبدت قـــــوما قــــرروا التــضليلا

غادرت يا “بنت الفـــقيه”على النـوى         شجــــــنا تعــــانيه النــــفوس وبـــــــيـلا

كابدت في الإرشــــاد كـــــل مشقة         وكبـــــــت قــــوما قــرروا التـــــضليلا

وجـــــريت فـــي ميدان آيات التقى         فسبقــــــت فــي ذاك الـــــــرجال فحولا

وخطوت فيه خــــطى أبيك فلن نــرى         لأبيك دهرا في الرجــــــال مثــــــيلا

إلى أن قال:

ســـــيري علـــيك مــن الإله تحية          تجدين مــــنها كالنســيم عليـــــلا

واستقبـــــلي الرضــــوان تاركة لنا          نجـــــما يرى للمــــدلجــــين دلـيلا

ما مــــات فـــي الإملاء حـــر تــارك          ولد يراه النـــاس مــــــنه بــــــديلا

—————————————–

1. محمد المختار السوسي: “المعسول” الجزء السادس، ص: 148.

2. نفس المصدر، ص: 148.

3. من قبائل سوس بجنوب المغرب، تحد القبيلة من الشرق قبيلة أيت عبد الله، ومن الشمال قبيلة أيت توفاوت وإداكنيضيف، ومن الغرب قبيلة إيساكن وتودما، ومن الجنوب قبيلة تافراوت وقبيلة تاهالا وقبيلة تاسريرت.

4. نسبة إلى آل الشَّلْحِي، وهم أسرة تعدد فيها علماء، كان خاتمتهم سيدي أحمد الشلحي المفتي وولده اللذان درجا أخيرا ولعل هناك أسرا متعددة منها كل أولئك العلماء.

5. محمد المختار السوسي:” المعسول” الجزء السادس، ص 148.

6. إيكضي باللغة الأمازيغية الجنوبية تعني “حفرة” وهي فعلا واقعة في منطقة محاطة بالجبال الشاهقات. وقد ذكر المختار السوسي في المعسول الجزأ 17 أن مدرسة إيكضي تعد من بين المدارس العلمية القديمة جدا والتي يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن السابع الهجري وهي مدرسة تقدم خدمات جليلة على مستوى تحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه موقع هذه المدرسة في سوس ضواحي مدينة تيزنيت.

7. انظر المدارس العلمية العتيقة وخصائصها بسوس الحسين وكاك ص: 4.

أرسل تعليق