الخزانات الحبسية بمنطقة سوس
أ- الخزانة التدسية
تتواجد هذه الخزانة بقبيلة هوارة أولاد التايمة إقليم تارودانت، وقد تقلص رصيد هذه الخزانة من المخطوطات بشكل كبير مما جعلها تفقد بعضا من إشعاعها.
ب- الخزانة الحبسية الكائنة بضريح الولي الصالح سيدي وسيدي بتارودانت
من خلال إحدى الزيارات الميدانية لهذه الخزانة تبين أنها لا تتوفر على مؤلفات مخطوطة باستثناء بعض نسخ المصحف الشريف المبثورة الأول والأخير والمكتوبة بخط مغربي متوسط أو بعض الخروم الموضوعة داخل صندوق خشبي قرب قبر صاحب الضريح. وقد ورد ذكر هذه الخزانة ضمن دليل الخزانات الحبسية الذي نشرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية.
ج- خزانات بعض المساجد والمدارس العلمية العتيقة والزوايا
نذكر من أبرزها: خزانة المدرسة العلمية العتيقة بأكلو بمدينة تزنيت، وخزانة مدرسة أدوز الكائنة بدائرة أنزي، وخزانة مدرسة إكضي بقبيلة إيدو باعقيل، وخزانة تافروت المولود بنفس الإقليم، وخزانة الزاوية الشرقاوية بأقا إقليم طاطا، وخزانة الزاوية التجانية بضريح الحاج الحسين الافراني المتواجدة بساحة المشور بتزنيت. وتضم معظم هذه الخزانات أرصدة مخطوطة تنتمي إلى علوم مختلفة وعند اطلاعنا على أرصدة هذه الخزائن وجدنا معظمها عبارة عن مؤلفات مطبوعة تم نسخها من طرف شيوخ المدارس العتيقة والزوايا لفائدة الطلبة والمريدين.
3- الخزانات الأسرية في منطقة سوس
اشتهرت منطقة سوس كباقي مناطق المغرب ببروز بيوتات توارث أبناؤها العناية بشتى أصناف العلوم، فخلفت هذه الأسر العلمية تركة غزيرة من التأليف والمصنفات شكلت النواة الأولى لبناء خزائنها العلمية، وقد أحصى المختار السوسي في كتابه “سوس العالمة” من الأسر نحو من مائتي أسرة علمية، وسنحاول الحديث عن بعضها.
أ– الخزانة المحجوبية
تعتبر هذه الخزانة من أهم الخزائن العلمية بسوس في الوقت الراهن، لما تحتويه من مخطوطات نفيسة ونادرة، ولا غرابة في هذا الأمر إذا علمنا أن هذه الأخيرة قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بأسرة من الأسر العلمية السوسية الكبرى، والتي اتخذت قرية المحجوب ـ إحدى قرى “رسموكة” السهلية بأحواز مدينة تزنيت ـ موطنا لها، فقد أنجبت هذه الأسرة المحجوبية فطاحل العلماء نذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الفقيه العلامة محمد بن مبارك المحجوب صاحب “شرح الأجرومية” الذي يدرس به في المدارس العتيقة بسوس[1]، وابنه الفقيه أحمد بن محمد بن مبارك المحجوب المتوفى 1214هـ، وواسطة عقدهم: صوفي العلماء وعالم الصوفية بسوس علي بن الطاهر الرسموكي[2] المزداد عام 1305هـ، والحافظ لكتاب الله وعمره لا يتجاوز خمسة عشر سنة، أخذ عن الشيخ محمد بن مسعود المعدري بالمدرسة البونعمانية والفقيه بلقاسم التاجارمونتي، والشيخ النعمة بن ماء العينين “بوجان”، الذي أجازه بإجازتين أوردهما المختار السوسي في المعسول، جاء في إحداهما: “… وأجزته إجازة عامة مطلقة في كل منطوق، ومفهوم من المعقول، والمنقول، والفروع، والأصول، وعلم الأسرار على اختلاف أنواع الجميع وائتلافه…”[3].
يعد الشيخ علي بن الطاهر الرسموكي من العلماء القلائل الذين اهتموا بالتقييد والنسخ، فقد شكلت مقيداته مصدرا هاما، اعتمده العلامة المختار السوسي خاصة في مجال التاريخ والتراجم والأدب، يقول عنه مؤرخ جزولة: “وقد وجدت منه ما لم أجده في كثيرين من علماء سوس من معاونتي على ما أنا بصدده من جمع أخبار السوسيين قبل أن تضمحل، فأفادني الخير الطيب”[4] انتهى كلام المختار السوسي، ويقول عنه أيضا، مسجلا مكانة هذا الرجل في مجال النسخ والتقييد: “وهو الوحيد الذي رأيته أيضا حريصا على أن يقيد عني كما أقيد عنه، فلم يسمع ما لا يعرفه إلا أودعه مذكرته”[5]، وقد وجدنا نموذجا من مقيداته في أحد كنانيشه، ويرجع له الفضل في جلب العديد من المخطوطات إلى الخزانة المحجوبية، توفي رحمه الله عام 1386 هـ[6].
معطيات إحصائية عن الخزانة المحجوبية
أصبحت محتويات الخزانة المحجوبية -من مخطوطات وخروم وألواح- منذ بداية سنة 2009 في ملكية إدارة الخزانة الوسائطية التابعة للجماعة الحضرية لمدينة تزنيت بعدما حبسها الفقيه “محمد المندوبي” عليها.
يبلغ عدد المخطوطات بهذه الخزانة 128 مخطوطا، إلا أن ما يناهز %60 من الرصيد المخطوط في حالة رديئة يحتاج إلى الصيانة والترميم، و13% منه يصعب التعامل معه.
وحسب أغلب تواريخ نسخ مخطوطات هذه الخزانة، يتضح أن أعمارها تنحصر زمنيا بين القرنين التاسع والرابع عشر الهجريين ويبقى أن المخطوطات التي تم نسخها القرن 14 هـ هي الأكثر حضور بالخزانة.
تتعددت العلوم التي تغطيها الخزانة المحجوبية وتنوعت فتحتل فيها كتب الفقه والنوازل الصدارة بنسبة %64، ثم علوم اللغة وكتب الأدب والنحو %11، وكتب الدراسات القرآنية والحديثية والسيرة النبوية %3، وكتب العقيدة التصوف %4، وكتب التاريخ والتراجم %5، وباقي العلوم %6.
ب- الخزانة العثمانية
تنتمي الخزانة العثمانية إلى أسرة علمية عريقة، أنجبت العديد من الصلحاء والعلماء، قد أفراد لهم العلامة المختار السوسي، ما يقرب من مئتي صفحة من الجزء السابع عشر من كتابه المعسول، واستهل حديثه عنهم بقوله: “وبهذه المناسبة يجب علينا أن نؤدي ما علينا من حق أكيد لهذه الأسرة التي تسلسل فيها العلم والصلاح في سوس منذ القرن السادس إلى الآن، ولم أعرف الآن في المغرب أسرة تسلسل فيها العلم أبا عن جد في زهاء ألف سنة، إلا هذه، والأسرة الفاسية بفاس التي عرفت أول عالم منها في أواخر القرن الخامس وهي مزية انفردت بها الأسرتان وحدهما”[7].
ومن بين الأعلام الذين أنجبتهم الأسرة العثمانية، نذكر الأستاذ عبد الله بن محمد العثماني المتوفى عام (1388 هـ) وهو الفقيه المؤرخ المعروف بورعه وصلاحه، أمضى زهرة حياته في التدريس، وله شغف كبير بالتاريخ، يقول عنه السوسي: “هذا هو مؤرخ الأسرة وأنبه رجالاتهم اليوم، وهو الذي يفيدنا بجميع ما نكتبه عن رجالات أسرته (…) ولم نر له نظير في جزولة مع تثبت وتبصر وصدق في النقل وسددا في الرأي”[8].
ومن رجالات هذه الأسرة أيضا، الفقيه الأستاذ امحمد -بتسكين الحروف كلها- العثماني والذي يرجع له الفضل الكبير، في الحفاظ وتنمية التراث المخطوط بالخزانة العثمانية، كما كانت له اليد الطولى في التحسيس بخطر الإهمال الذي أصبح يطال التراث المخطوط بمنطقة سوس، ومما يشهد على حرصه الشديد على التراث المغربي برنامجه الإذاعي الأسبوعي “معالم من تاريخ سوس”، والذي يعتبر وسيلة حاول من خلالها التعريف بهذا التراث، وحث الباحثين وطلبة العلم على الاعتناء به. يقول في إحدى الحلقات: “فإني أهيب بعلمائنا ومن يملك وسيلة من وسائل البحث العلمي والثقافي؛ من وثائق وكتب ومخطوطات، ومواد أخرى أن لا يبخل بها على طلبتنا وأبنائنا الذين يتخرجون من الجامعات المغربية أو الأجنبية فيبقون حيارى لا يدرون أين يذهبون وهم بعد لا يعرفون من أين تؤكل الكتف. وإني أرجو من كل من يملك وسيلة ما يلخصها ويبعث لنا بتلخيصها لنذيعها على أمواج الإذاعة على الصعيد الوطني، وسأكون في المقدمة، فأقدم تلخيص كل ما يصلح للبحث العلمي في خزانتي المتواضعة شيئا فشيئا وأقدم معلومات عن ما أعرف مما ليس موجودا لدي”[9].
——————————–
1. المعسول، ج: 14، ص: 28.
2. ترجم له في مقال مختصر الأستاذ يحيي الطالبي، المقال بجريدة العلم، العدد: 19468 بتاريخ: الأحد 7 شتنبر 2003.
3. المعسول، ج: 14، ص: 28.
4. المعسول، ج: 14، 54.
5. المصدر نفسه.
6. حسب رواية نجله الفقيه الصوفي السيد محمد المندوبي الذي تجمعني به علاقة طيبة، وكنت أزوره باستمرار في بيته قبل أن ينتقل إلى عفو ربه في السنوات الأخيرة، وقد أوصى بنقل خزانة أسرته المحجوبية إلى مقر الخزانة الوسائطية بمدينة تزنيت.
7. المعسول، ج: 17، ص: 43. وانظر أيضا سوس العالمة، ص: 121.
8. نفسه، ج: 17، ص: 158-159.
9. الحلقة الثانية من (معالم من تاريخ سوس) مادة صوتية مقتبسة من أرشيف الإذاعة الوطنية، الرباط.
-
نحن اليوم نبذل الكثير من الجهد في النظر في هذا التراث، تحقيقا ودراسة؛ فإن كل مجهوداتنا يجب أن تصب في هذا الاتجاه، وسيكون دورنا متمثلا بالأساس في إيجاد طرق وسبل إخراج تلك الجهود الطيبة، إلى حيز الوجود أولا؛ لأن الكثير من المخطوطات لا يزال حبيس المكتبات العامة والخاصة لا يعرف أصحابها قيمتها، فتبقى عرضة للأرضة، وبالتالي التلف والاندثار، وهي بحاجة إلى من يخرجها لترى النور، وتكون بين يدي الراغبين والمهتمين، وتيسيرها تسهيلها ما أمكن، وتسخير كل ما من شأنه تحقيق ذلك وتقديمه لمن يريد خدمة تلك الجهود….
التعليقات