Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الاهتمام الاجتماعي للصوفية المغاربة

3. تنظيم مواسم الحج

اهتمت الزوايا والرباطات في تاريخ المغرب -بالإضافة إلى إطعام الطعام والاهتمام بالطلبة وأهل العلم- بتنظيم الرحلات إلى الحج، ومساعدة المساكين والمحتاجين ممن لهم تعلق بالحج وهم لا يتوفرون على الإمكانيات المادية لتغطية النفقات الباهظة التي تتطلبها الرحلة إلى الحج، فبالإضافة إلى تشجيع الناس إلى زيارة الحرم، عملوا على تأمين مسالك الحج حتى تَمُر ظروف الرحلة في  أحسن الأحوال وفي أمنٍ وأمان.

وقد برزت في سماء التاريخ المغربي أسماء لشخصيات صوفية عملت على إدخال البهجة والسرور في قلوب المتعطشين لرؤية الحرم، منهم أبو عبد الله محمد التاونتي المعروف بالمليلي الذي أبى إلا أن يصطحب معه جمهور المساكين والمحتاجين للحج معه، وذلك عندما جاءه رؤساء المركب يرغبونه في الركوب معهم فقال لهم: “لا أركب عند واحد منكم إلا على شرط أن تحملوا معي كل من يريد أن يركب من المساكين ممن يتوجه إلى مكة كرمها الله وتزودوهم ولا تأخذوا منهم أجرا فأجابوه إلى ذلك[1]، كما شكلت الزوايا فضاءا لاستقبال وفود الحجيج وباحة للاستراحة من عناء السفر ومشاقه، وكذا إكرامهم وتوفير جميع متطلباتهم من مأكل ومشرب.. كما هو الشأن في زاوية الشيخ أبي الربيع سليمان بن ستهم بالريف[2].

ولعل أهم الزوايا التي كان لها اهتمام خاص بالحجاج، ويوثر عنها التكفل بجميع متطلبات السفر من إعداد العُدد وتنظيم الرحلات، وإعداد الطعام، وتأمين الطرقات.. هي زاوية الشيخ أبي محمد صالح بن ينصارن بن غفيان الدكالي ثم الماجري (تـ631هـ)، الذي سخر جميع إمكانيات الزاوية لخدمة حجاج بيت الله الحرام، على طول الطريق الرابطة بين آسفي إلى بيت الله الحرام، وتقديرا لهذه الجهود العظيمة “أجمعت فضلاء المغرب –خصوصا وعموما– على أن الشيخ –رحمه الله– هو الذي فتح الله تعالى طريق الحج من المغرب على يديه، حتى حَجَّهُ كل عاجز وقادر عليه”[3].

“وقد ذكر بعضهم أنه يوجد للشيخ أبي محمد صالح زوايا وتكايا بالمشرق والمغرب وبكافة بلاد إفريقيا، بلغت على حد تعبير بعضهم 46 زاوية، تضم أعداد غفيرة من الأشخاص والمريدين، شغلهم الشاغل هو خدمة الحجيج، وتسهيل مهمته، وقطع الطريق الوعر الموحش بهم في امن وآمان، الأمر الذي يُدهش من يؤرخ لهذه العصور التي كانت الطرق مجهولة ومخوفة وموحشة وقاتلة، كانت زواياه وثكناته مزودة بالزاد والأعوان والأنصار الذين يستسهلون كل الصعاب ويقربون كل بعيد ويحلون كل المشاكل ويطمئنون الأرواح والأموال والعرض والأنفس -وتذهب الوفود في راحة بال وطمأنينة”[4].

وتتأكد أهمية هذا الركب الحجاجي في فترة شهد فيها المغرب أحداثا جد خطيرة على المستوى الأمني إلى درجة أفتى بعض الفقهاء بسقوط فريضة الحج عن المغاربة[5]، فمن جهة نشطت سفن القراصنة الأوروبيين في الشمال مما صعب على الحجاج خوض مسلك البحر، كما شهدت الطرق البرية انتشار قطاع الطرق.. فكل هذه المخاطر لم تثن من عزيمة أبي محمد صالح عن تأمين مسالك الحج خصوصا الطرق البرية.

فهذا يدل على حسهم التضامني الكبير، وتفانيهم في خدمة مجتمعهم، ونكران الذات فيما يتعلق بمصلحة الناس خصوصا المساكين والمحرومين منهم، والأخذ بيدهم في أحلك الظروف وأصعب المواقف، وبخاصة أولائك الذين تتأجج قلوبهم محبة وشوقا إلى ذلك المقام وهم لا يجدون ما ينفقون به على أبسط حاجياتهم فضلا عن توفير مصاريف التأهب لقطع الفيافي والقفار ولمسافات طويلة!

يتبع في العدد المقبل..

———————————————–

1. التشوف، 370.

2. المقصد الشريف، 118.

3. المنهج الواضح في تحقيق كرامات أبي محمد صالح، 351، نقلا عن ورقات عن حضارة المرينيين، لمحمد المنوني، 409.

4. مجلة دعوة الحق العددان، 147-148.

5. ينظر نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا التنبكتي، تحقيق، علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، ط1، 1433هـ، 2004م، 1/167.

أرسل تعليق