Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ابن القطان – المشيخة (37)

هذا هو الجزء السابع والثلاثون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه، ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.

ابن فُلَيْح: أبو محمد عبد الله بن محمد الحضرمي القصري كان حيا سنة (591)

[القسم الثالث]

هل لابن فليح مصنفات؟

ابن فُلَيْح من شيوخ ابن القطان الذين ذكرهم في برنَامجه، وهو من شيوخه بالإجازة فيما نصَّ عليه ابن عبد الملك[1].

وكنت قد تناولت في أول قِسْمَي هذه المقالات الخاصة بابن فليح شيوخَه، والآخذِين عنه، وسَأتناول في هذا القسم الثالث ما يُحتمل وجودُه من “مُصَنفاته”، وذلك على عادتي في ترتيب الكلام على تراجم هذه السلسلة.

فأما قضيةُ “مصنفاتِ” ابنِ فليح فلا أعلم بادِئَ الأمر هل صنف أم لا؟ إذ لم أقف على من عَينَّ له تصنيفا، ولا على أحد نَصّ على أنه ممن صنف؛ فإن كان أول الاحتمالين هو المطابق للواقع، فكان ابن فليح من ذوي التصنيف؛ فإنني لم أقف من هذه المصنفات على شيء، لكن وقَفت على نصين عند ابن الزبير في “صلة الصلة”، وثالث في “تكملة ابن الأبار” قد يُسْتَشَّف منها أن الرجل له كتاب في التراجم، أو ما يشبه الكناشة في التعريف برجالات العلم في سلا خصوصا، وهذا أقولُه على جهة الحدس وما أنا من المستيقنين.

فأما أول نصي ابن الزبير فهو المذكور في ترجمة أبي محمد عبد الله بن علي الشنتريني: قال ابن الزبير: “كان ممن اعتنى وروى، حدث عن أبي اسحاق إبراهيم بن الشاطبي وغيرهم، واستوطن مدينة سلا. وتوفى بعد سنة أربعين وخمسمائة، ذكره الشيخ في الذيل عن القاضي أبي محمد عبد الله بن فليح الحضرمي”[2].

وأما ثاني النصين: فقول ابن الزبير في ترجمة أبي محمد عبد الله بن محمد الفهري السلوي: “رحل إلى الأندلس، فروى بها عن أبي محمد بن عتاب، وأبي مروان بن سراج، وأبي القاسم بن الحصار المقرئُ، وجعفر بن مكي، وأبي عبد الله محمد ابن محمد بن عبد الرحمن القرشي، ورجع إلى مدينة سلا، وروى بها، ثم رحل إلى الأندلس كرة ثانية، واستوطن قرطبة.

ذكره الشيخ في الذيل عن أبي محمد بن فليح، وذكر عنه أنه قال: انقطعت أخباره عنا من مدينة سلا، فكتبت له: إنك غدرتنا بقطع أخبارك، فكتب جوابي، وفيه:

وحقِّـكم ما طِبـْتُ نفساً بِغَــدْرَةٍ        معــاذ إِلاَهِــــي أن يقــال غَدُور

وكيْف يُطيق الغَدْر من صَفَتْ له        عَلَانيةُ مـن حُبِّكـــم وَضَـــمِـــيرُ

قلت: وَذِكْر الشيخ أبي مروان بن سراج في شيوخ هذا الرجل وهم، وإنما هو أبو الحسين سراج بن أبي مروان بن سراج؛ فإن طلبة أبي مروان أقدم – والله أعلم. انتهى كلام ابن الزبير[3].

قلت: والمقصود بالشيخ في النقلين المذكورين هو: الإمام الراوية الكبير أبو العباس ابن فرتون له ترجمة موجزة وقاصدة في فهرس الفهارس للكتاني حيث قال: “هو أحمد بن يوسف بن أحمد بن يوسف بن فرتون السلمي يكنى أبا العباس، ويعرف بابن فرتون، من أهل مدينة فاس، ونزل سبتة وبها مات. قال صاحب ذيل التكملة: روى عن أهل فاس، وسبتة، ودخل الأندلس (سنة 635)، فأخذ عمن وجد هناك، واجتمع له سماع جم، وكتب بخطه كثيرا، وقيد، واعتنى غاية الاعتناء.

 قال ابن الزبير: حتى كان آخر المكثرين، وكان ذاكرا للرجال، والتاريخ، وقسطا صالحا من الجرح والتعديل، ولكثير من متون الأحاديث. صنف برنامجا ضمنه ما رواه.

قال الكتاني: نرويه وكل ما له من طريق ابن الأبار عنه مكاتبة من سبتة، وعاش المترجم بعده، حدث عنه ابن الأبار في ترجمة مجاهد الأندلسي من  معجم أصحاب الصدفي، ومات ابن فرتون (سنة: 660) عن سن عالية[4].

والمقصود بالذيل فيهما: ذيل ابن فرتون على الصلة لابن بشكوال، وهو من المصادر التي اتكأ عليها كثيرا ابن الزبير في صلة الصلة[5]، ونبه في مواضع متعددة  على أوهامه[6]، وفوات بعض التراجم وسبب ذلك[7].

وهذان النقلان عزيزان، ويستشف منهما أنهما نقل من مكتوب خصوصاً الثاني مِنْها. وقد يكون ذلك من كناشة في التراجم شبيهة بالفهرسة، ولم أقف على ذكر كتاب لابن فليح في التراجم حتى يُظَنَّ أن نقل ابن فرتون هذا منه، والملحوظ أن المترجَمين معا من سلا، وهذه البلَديةُ الجامعة بينهما ينبغي أن تجعل نصب العين لإرجاع كلام ابن فليح إلى مصدره.

و يبقى نقل أبي العباس ابن فرتون عن ابن فليح في ذيل الصلة، بل واعتماده عليه في ترجمتين كاملتين دالا على نباهة ابن فليح، ومنبها على علو محله.

وأما ثالث النصوص: فهو ما عند ابن الأبار في ترجمة أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله النامسي من أهل طنجة؛ فإنه قال: “أخبرني عن أبي محمد ابن فليح، وقرأته بخطه أنه نقل من خط أبي علي الغساني، وكان يروي عن أبي موسى عيسى بن يوسف بن الملجوم عنه، قال: ذكر ابن قتيبة قال: لم أزل أسأل عن السبب الذي أمر فيه بقتل الكلاب وإخراجها حتى بلغني أن أبا جعفر المنصور سأل عمرو بن عبيد عن الحديث فيمن اقتنى كلبا لغير زرع، ولا حراسة أنه ينقص كل يوم من أجره قيراط. فقال له عمرو بن عبيد: هكذا جاء الحديث، ولا أدري لم ذلك، فقال المنصور: خذها بحقها، وإنما قيل ذلك لأنه ينبح الضيف ويروع السائل وأنشد:

أَّعَـدَدْتُ للضّيَفان كَلْبَا ضَـاريا        عِنْدي وَفَضْلَ هِراوة مِنْ أَرْزَن

وَمَعاذَرا كُـذَّبا وَوَجْــهاً باسـرا        وَتَشكّيا عَـضَّ الــزَّمَانِ الأَلْزَنِ[8]

هذا حاصل ما استطعت الوقوفَ عليه جوابا على السؤال المُصَدَّرِ به أَولُ هذا المقال، وهو: “هل لابن فليح مصنفات؟”. وسأتناول في رابع أقسام هذه المقالات الخاصة بابن فليح، وهو آخرها، قضيةَ “مروياته”، مُنَبِهاً بعد الفراغ منها على ما وقع في ضبط الحافظ ابن ناصر الدين لجد مُتَرْجَمِنَا، وجَعْلِهِ “فَليجا” بفاء مفتوحة، وجيم في آخره بدل “فُليح” بفاء مضمومة، وآخرها حاء وهو المشهور.

يتبع في العدد المقبل..

—————————————-

1. الذيل والتكملة س: 8/ق: 1/ص: 166.

2. صلة الصلة: 3/100.

3. صلة الصلة: 3/156-157.

4. فهرس الفهارس: 2/910.

5. تنظر نماذج من ذلك في ترجمة نصر بن علي الغافقي 3/78- وعبد الله بن علي الشاطبي سبط ابن عبد البر 3/96- وأبي محمد عبد الله بن أحمد الغرناطي 3/97- وأبي القاسم عبد الرحمن بن علي السبتي المعروف بابن الخراز 3/218،219- وابن الملجوم عبد الرحيم بن عيسى أبو القاسم 3/ 230،231- وعيسى بن عبد العزيز أبي الأصبغ 4/52- وأبي الحسن ابن الحصار علي بن محمد 4/124- وغلبون بن محمد أبي محمد المرسي 4/180.

6. تنظر نماذج من ذلك في ترجمة عتيق بن علي العبدري 4/63- وأبي علي الرندي النحوي 4/74،75- وأبي حفص عمر بن أبي محمد السلمي 4/77- وعلي بن عبد الله المكناسي 4/157- وفتح بن محمد أبي النصر ابن الفصال 4/185- وفتح بن يحيى التلمساني 4/186.

7. من ذلك ما ذكره في ترجمة عبد الرحمن بن عبد المنعم بن الفرس 3/212،213- وقاسم بن علي الشريف الحشاء الفاسي 4/197.

8. التكملة: 2/308.

أرسل تعليق