Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ابن القطان – المشيخة (25)

      هذا هو الجزء الخامس والعشرون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.

محمد بن علي بن عبد الكريم أبو عبد الله ابن الكتاني (تـ 597)
القسم الأول

      من شيوخ ابن القطان بالسماع، ذكره في برنامجه فيما نقله ابن عبد الملك وزاد أنه ممن لقيهم وأكثر عنهم[1]. وهو من أهل فاس وبها مات.

      كان رحمه الله إماما من أئمة علم الكلام، دراكة لمسائل فن الأصول، قطبا من أقطاب الزهد والسلوك، أحدَ من أجرى فرسه في مضمار الأدب، عينَ أعيان المتصدرين للتدريس في زمانه.
فأما علم الكلام: فباري قوسه، وخريت مسالكه، قال ابن عبد الملك “كان متحققا بعلم الكلام[2]. وقال الذهبي: “كان رأسًا في علم الأصول والكلام”[3]. وقال ابن الزيات: “كان ابن الكتاني آخر أئمة المغرب فيما أخذه عن أبي عمرو الأصولي من علوم الاعتقاد”[4].

      وأما الأصول: فقد تمكن منه تمكن المقتعد، وعبارات مترجميه الواصفة له بالتمكن في الأصول ضَخْمةٌ، لا تطلق إلا على ذوي التحقق التام بهذا الفن؛ ولمترجمنا فيه رجز ذكره مترجموه بالاشتهار، ووصفوه بالسلاسة.

      فأما ما ذكره مترجموه عنه من إتقان علم الأصول: فمن ذلك: ما قاله ابن عبد الملك: “كان… متقدما في معرفة علم أصول الفقه… له رجز مشطور مزدوج في أصول الفقه مستنبل”[5]. وقال الذهبي: “كان رأسًا في علم الأصول والكلام. تخرَّج به طائفة. وله أُرْجوزة في أصول الفقه”[6].

      وأما رجزه الموصوف بالاشتهار: فإن هذا الوصف دال على كثرة التداول، وقوة الاستعمال؛ وهذا لا يحصل في الغالب إلا إذا كان النظم محرر المسائل، سلسا سهلا، غير مُسْتَكْرَه الألفاظ.
وأما الطريقة الزهدية، والسبيل الصوفية السنية: فإمام محرابها، ومرتقي منبرها، قال ابن عبد الملك: “كان زاهدا، ورعا، فاضلا، منقبضا عن الملوك، وأبناء الدنيا، منقطعا إلى العبادة، واجتهاد في الأعمال الصالحة، والانتصاب لإفادة العلم والتدريس. واكتفى في معيشته بالقليل، وقد عرضت عليه الدنيا غير مرة فما أجاب إلى شيء منها ولا غرته. وكان المنصور من بني عبد المومن قد رغب أن يكون من طلبة مجلسه، فما قدر عليه البتة”[7].

      وقال ابن الزيات في التشوق إلى رجال التصوف: “كان زاهدا في الدنيا معرضا عنها وعن أهلها على سنن أهل الفضل والدين”[8]. وقال ابن القاضي: “كان… زاهدا في الدنيا معرضا عنها مقبلا عن الآخرة، لزم العبادة والصوم”[9].

      وأما الأدب: فقال ابن عبد الملك: “كان… ذا حظ صالح من علوم اللسان وقرض الشعر”[10].

      وقال ابن أبي زرع وتبعه ابن القاضي المكناسي: وهو القائل:

          وما أبقى الهوى والشوق مني *** سوى نفس تردد في خيال

          خَفِيتُ عن المنية أن ترانــــي *** كأن الروح مني في مجــال[11]

      وأما تصدره للتدريس: فقد سبق النقل عن ابن عبد الملك ما ذكره عنه من: “الانتصاب لإفادة العلم والتدريس”[12].

      وقد جَمَعَ ما ذُكر سالفا من الأوصاف حاشا سلوك الطرائق الزهدية ابنُ الأبار فقال: “كان إماما في علم الكلام، وأصول الفقه، مدرسا لذلك حياته كلها، وكان له حظ من الأدب، وله رجز في أصول الفقه. أخذ عنه وسمع منه وروى عنه جماعة منهم: أبو محمد الناميسي، وأبو الحسن الشاري، وقال: أخذت عنه جملة وافرة من إرشاد أبي المعالي وتلخيصه تفهما وسمعت عليه رجزه”[13].

      وأخصر من هذا وأجمع ما قاله ابن القاضي: “كان من أئمة المغرب في العلم متقدما في فنون العلم”[14].

      وأما تاريخ وفاته: فقد أتقن ابن الزيات ضبطها فقال: “من أهل فاس في العشر الأوسط من ذي  الحجة سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وصلى عليه الفقيه أبو يحيى أبو بكر بن خلف الأنصاري المعروف بالمواق”[15]، وزاد ابن عبد الملك على ذلك تحديد اليوم فقال: “توفي بفاس ضحى يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وصلى عليه أبو يحيى أبو بكر بن خلف ابن المواق”[16].

يتبع إن شاء الله

——————————————————–

  1. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/165-166).

  2. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/332).

  3. تاريخ الإسلام للذهبي (12/1183).

  4. التشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات (ص: 335).

  5. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/332).

  6. تاريخ الإسلام للذهبي (12/1183).

  7. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/332).

  8. التشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات (ص: 335).

  9. جذوة الاقتباس لابن القاضي (ص: 220).

  10. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/332).

  11. الأنيس المطرب 271 – جذوة الاقتباس لابن القاضي (ص: 220).

  12. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/332).

  13. التكملة لكتاب الصلة لابن الأبار. (2/161).

  14. جذوة الاقتباس لابن القاضي (ص: 220).

  15. التشوف إلى رجال التصوف لابن الزيات (ص: 335).

  16. “الذيل والتكملة” (السفر الثامن/القسم الأول/333).

أرسل تعليق