Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

ابن القطان – المشيخة (12)

      هذا هو الجزء الثاني عشر من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته.

أبو الحسن ابن مؤمن
علي بن عتيق بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن مؤمن الأنصاري الخزرجي  القرطبي ثم الفاسي

      أحد المكثرين قال ابن الأبار: “قرأت بخطه أن شيوخه ينيفون على مائة وخمسين أكثرهم أعلام مشاهير”[1]، وقد سرد أسماهم ابن عبد الملك فبلغ بهم اثنتين وخمسين ومائة شيخ[2]؛ منهم من سمع منه وأجازه، ومنهم من أخذ عنه ولم تذكر له منه إجازة، ومنهم من أجازه فقط، ثم قال بعد استمام أساميهم “ضمنهم برنامجه”[3] – يعني: برنامج شيوخه “بغية الراغب” الذي سيأتي.

      روى ابن مومن عن كبار المشايخ شرقا وغربا، فممن أخذ عنه وأجازه، أو أجازه فقط أبو بكر بن العربي، وأبو طاهر السلفي، وأبو الوليد الدباغ، وأبو القاسم ابن بشكوال، وممن أخذ عنه ولم يذكر أنه أجازه -فيما قاله ابن عبد الملك-: أبو الحسن الشلطيشي[4] وأبو الحسن هذا هو: علي بن أحمد بن محمد بن عثمان بن يحيى الكلبي المشهور بابن القابلة، ترجمه ابن عبد الملك في الذيل والتكملة وقال: “روى بإشبيلية عن أبي بكر بن العربي وأبي الحسن شريح وغيرهما، وبقرطبة والمرية عن جماعة وافرة من علمائها، وبغيرها من بلاد الأندلس، ثم رحل وحج وأخذ عن أبي الطاهر السلفي وأبي عبد الله محمد بن حامد القرشي، ثم قفل إلى الأندلس وجلب فوائد منها “المصابيح” لأبي محمد بن مسعود روايته عن ابن حامد المذكور عن المصنف، فنزل قرطبة سنة تسع وثلاثين، وصادف الفتنة التي أثارها أخوه… فخاف الحاج على نفسه واختفى أشهراً بقرطبة عند صديقه أبي بكر بن عتيق بن مؤمن لخلة كانت قد تأكدت بينهما أسبابها، فأخذ عنه حينئذ أبو الحسن بن أبي بكر بن مؤمن” ثم وصف ابن القابلة بأنه كان “مشاركاً في فنون من العلم كالحديث والفقه وأصوله وعلم الكلام والطب، شاعراً مجيداً”[5].

      قلت: واختصاص ابن مومن بابن القابلة أشهرا يأخذ عنه إبان اختفاء الثاني ببيت والد الأول يوجب أن يكون قد حمل عنه علما كثيرا.

      وقد سمع من ابن مومن جماعة كبيرة، حتى احتاج إلى بعض ما عنده بعض الأكابر منهم: أبو الحسن بن المفضل ذكره ابن الأبار وقال: “سمع من الاسكندرية الحديث  المسلسل في أخذ باليد”[6]، وقد رأيت أيضا شيئا آخر من روايته عنه في ذيل تاريخ بغداد[7].

      وابن المفضل إمام الكبير، وحافظ شهير، وهذا السماع دليل فضل المسموع منه، فقد قال ابن عبد الملك: “تقدم ذكر استجارة بعض شيوخه الإسكندريين إياه، وفي ذلك من شرفه والشهادة له بالجلالة ما لا خفاء به”[8].

      وعلاوة على ما سبق فقد امتلأت كتب التراجم، بحسن الثناء على ابن مومن بجودة التصرف في العلوم، ومن أدل ذلك على المقصود ما ذكره عنه إمامان جليلان عاصراه أحدهما ناقد كبصير أخذ عنه، وهو الحافظ أبو الحسن بن القطان وثانيهما: المؤرخ أبو العباس بن هارون.

      فأما ابن القطان فقد ذكره في برنامج شيوخه فيما نقله ابن عبد الملك وقال عنه “كان متقنا في علم الرواية وذا معارف سواها من عل الكلام والتوثيق والطب، وكان شاعراً”[9].

      وأما أبو العباس بن هارون: فنقل عنه ابن عبد الملك قوله: “أدركته، عفا الله عنه، في رحلتي إلى فاس وهو ممن كتب الكثير وأدرك شيوخاً جلة وتجول مع أبيه وكان من أهل العلم ودخل كثيراً من مدن الأندلس في أول فتنة اللمتونيين، واستجار له أبوه كثيراً من الشيوخ؛ وكانت هذا معارف وإدراك وعناية بالعلم وله شعر صالح ومصنفات في غير ما فن من الأصول والطب والحديث والرجال، وبرنامج روايته حفيل، وحج ولقي أبا الطاهر السلفي ونمطه من كبار المسندين، وكتب عنه عدة رجال بالمشرق، وعمر طويلاً حتى ناهز السبعين”[10].

      وقال ابن عبد الملك: “كان محدثاً راوية مكثراً، عني بهذا الشأن طويلاً وبخت فيه، حاضَر الذكر للآداب والتواريخ عموماً، وخصوصاً تواريخ المحدثين، ماهراً في علم الكلام والطب موفق العلاج، بارعاً في التعاليم أديباً شاعراً حسن التصرف، متقدماً في صنعة التوثيق وفي ما كان ينتحله من العلوم”[11]، قال ابن الأبار: “وكان يبصر الحديث والقراءات ويشارك في علم الطب ونظم الشعر”[12].

      لابن مومن رواية واسعة جدا كما يرشد إليه ما وصلنا من الوصف لمعاجم شيوخه التي سأتحدث عنها في المقال اللاحق إن شاء الله تعالى، لكن ما وصلتُ إليه منها مُعَيّنا لا يعدو واحدا؛ كما أن له في ميدان التأليف خطو واسع، فصنف في الحديث، والأصول، والطب، والأدب، ونظم الشعر؛ لكن الذي حفظت لنا عيون كتب التراجم منها مُعَيّنا شيء يسير في جنب ما ذكر عنه من التوغل في التأليف في هذه الفنون، وذلك يقتضي تعدد ما صدر عنه من مؤلفات.

      وسأورد في القسم الثاني من هذا الجزء ما وفقت عليه دخل تحت روايته، أو نسب إلى وضعه من المصنفات والمنظومات.

يُتبع إن شاء الله تعالى..

————————————————

  1.  التكملة لكتاب الصلة، 3/221.

  2.  الذيل والتكملة، س5/ق1/257.

  3.  الذيل والتكملة، س5/ق1/260.

  4.  الذيل والتكملة، س5/ق1/268.

  5.  الذيل والتكملة، س5/ق1/275-276.

  6.  التكملة لكتاب الصلة، 3/222.

  7.  ذيل تاريخ بغداد، 1/181-162-233 و 2/41-52-98.

  8.  الذيل والتكملة، س5/ق1/261.

  9.  الذيل والتكملة، س5/ق1/263.

  10.  الذيل والتكملة، س5/ق1/264.

  11.  الذيل والتكملة، س5/ق1/261.

  12.  التكملة لكتاب الصلة، 3/221-222.

أرسل تعليق