Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

أحمد التستاوتي.. (1)

شخصية هذه الحلقة علم من أعلام المغرب الكبار الذين أُهملوا في أجندة البحث المعاصر، ولم يكتب عنهم إلا شذرات متفرقة هنا وهناك.. يتعلق الأمر بالشيخ الصوفي الكبير أحمد التستاوتي أحد تلاميذ الشيخ محمد بن ناصر الدرعي.. وهو من معاصري النهضة الفكرية التي انبثقت في رحاب الزاوية الدلائية المباركة..

وقد انبرى الأستاذ الفاضل أحمد الطريبق أحمد إلى نفض غبار النسيان عن شخصية التستاوتي في كتابه القيم الكتابة الصوفية في أدب التستاوتي، 1045–1127هـ (الحياة – الكتاب – الخطاب) (منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية).. وقد أبرز أحمد الطريبق حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في هذا المضمار بقوله: “وبهذا الباب أكون قد انتهيت من هذا القسم الخاص بحياة التستاوتي، صنعته كما قلت صنعا فيه من الاجتهاد كما فيه من المغامرة، ما يبرر الأخطاء التي اعترضتني في هذا الطريق، وإذا كان من خطأ أو أخطاء هنا أو هناك؛ فإنني على علم بذلك، وماذا يصنع المتجول في غابات النزهة المتشعبة؟ بل ماذا يصنع الباحث عن تقاسيم رجل، كالمجهول في خريطة من الأحراش والمتاهات“.

فمن هو هذا الفاضل الذي عاصر ثلة من أفاضل هذه الأمة، وتتلمذ عليهم وصاحبهم، أمثال اليوسي وأحمد بناصر الدرعي، كما أثرى الساحة الأدبية بأدب صوفي فريد من نوعه.

هو أحمد بن عبد القادر بن عبد الوهاب بن موسى بن الشيخ محمد بن مبارك التستاوتي. أما والده عبد القادر فلا نكاد نعرف عنه شيئا، فأحمد بن عبد القادر لم يحدثنا عن والديه، باستثناء إشارة قصيرة وعارضة، وردت في رسالة له إلى شيخه محمد بن ناصر الدرعي، إثر التعرف المباشر والاتصال الروحي، وكان ذلك قبل حلول الثمانين بعد الألف، مما يفيد – فقط– أن عبد القادر وأخاه محمد والد التستاوتي، كانا آنئذ على قيد الحياة. وخلاصة الاحتمال، هو أن التستاوتي سيكون من مواليد 1045. حسب الأستاذ أحمد الطريبق.

إلا أن اليوسي في إحدى رسائله، يلمح للتستاوتي بأنه واحد من رجالات تادلا وصلحائها: “إلا أن يتفضل الله، إلي وتَّدَ تادلا، بشراب الحقائق، أبي العباس أحمد، سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى من احتوته تلك الزاوية المباركة[1]، ولعل الزاوية المقصودة في الرسالة، هي زاوية “خلفون على وادي أم الربيع” كما حددتها فاطمة القبلي في تحقيقها[2] لرسائل اليوسي، وزادت التحديد تحديدا بقولها: إن الزاوية تقع في نواحي خنيفرة حاليا..

إن التستاوتي، كواحد ممن أفرزتهم مجتمعات البادية، لم يحدثنا بالتفصيل، ولا غيره عن هذه الفترة المرتبطة بالنشأة والتكوين، وإن كان العرف السائد، في أوساط البادية هو أن يدخل الطفل المغربي كتاب القرآن ليحفظ منه ما شاء الله أن يحفظه، وبعد ذلك ينهل من المتون الفقهية، وما يتعلق بالنحو والعربية وعلوم القرآن والحديث. إلا أن هذا لا يتم إلا في مناخ يسوده الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وصاحبنا التستاوتي، ليس بدعا في هذه الحالة، وقد أحاطت به ظروف وملابسات نجد لها صدى متباينا في كتابه النزهة..

ولولا بعض الشذرات والفلتات الصادرة عن التستاوتي لما عرفنا شيئا يدلنا على الجانب الغامض في مرحلة الطلب والدراسة، بما في ذلكم بعض شيوخه وأساتذته، ونوع المصنفات التي سمعها عنهم وأجازوه عليها..

ومن بين المنظومات التي نظمها التستاوتي، تلك التي انتظمت في سلك رجال “ممتع الأسماع بالجزولي والتباع وما لهم من الأتباع لمحمد المهدي الفاسي، ولكن التستاوتي ألحقه بتكملة خصصها للرجال الذين أخذ عنهم، أو جالسهم أو كانوا من ذوي الفضل والبركة في عصره وكعادة التستاوتي؛ فإنه يشرح بقلمه منظوماته ويعلق عليها..

فالتستاوتي راسل كبار رجالات عصره، ويأتي في الدرجة الأولى الإمام أبو علي اليوسي، وقد أبرز أحمد الطريبق في أطروحته حول التستاوتي بعض القضايا التي ساهمت في تكوين شخصية التستاوتي بفضل الاحتكاك والتأثير بشخصية اليوسي العظيمة..

ويحفل كتاب نزهة الإخوان للتستاوتي بمعلومات تاريخية وأدبية وسياسية، وكذلك بقيمة أدبية كبرى جهد الأستاذ أحمد الطريبق في إبراز معالمها وخصوصيتها، كما يحفل كتاب النزهة بمعلومات عن الشيوخ الذين عاصرهم، من ذلك بسطه للنسب الصوفي لشيخه محمد بن ناصر الدرعي، إذ يقول: “وجد بخط الإمام الأستاذ محمد بن ناصر رضي الله عنه: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. يقول كاتِبُه عبد ربه تعالى محمد بناصر الدرعي كان الله له أخذنا طريقة التصوف عن شيخنا سيدي عبد الله بن حساين الرقي عن شيخه أبي العباس أحمد بن علي الدرعي، عن شيخه سيدي أبي القاسم الغازي الدرعي أهلا السجلماسي دارا عن شيخه أبي الحسن علي بن عبد الله السجلماسي، عن شيخه أبي العباس أحمد بن يوسف الملياني الراشدي، عن شيخه أبي العباس أحمد زروق الفاسي، عن شيخه أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي، عن شيخه أبي الحسن عن الفرابي، عن شيخه أبي العباس تاج الدين أحمد بن عطاء الله الإسكندري، عن شيخه أبي العباس أحمد المرسي، عن شيخه أبي الحسن الشاذلي، عن شيخه أبي محمد عبد السلام بن مشيش..”. وهذا ما يمكن إدراجه في مجال التأريخ للتصوف بالمغرب..

يتبع في العدد المقبل..

—————————

1. نزهة الإخوان التستاوتي، ج: 1، ورقة 28، ص: 54. نقلا عن أحمد الطريبق احمد في الكتابة الصوفية في أدب التستاوتي.

2. رسائل اليوسي، تحقيق فاطمة القبلي، ج: 1، ص: 48.

أرسل تعليق