Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

علي بن ميمون الغماري

      هو العلامة الفقيه الصوفي القاضي علي بن ميمون بن أبي بكر بن يوسف، ولد في غمارة بجبال الريف بالمغرب عام 854 هـ، ودرس بجامع القرويين بفاس، وتولى القضاء لفترة بمدينة شفشاون، وشارك في الجهاد ضد الغزو الأوربي للسواحل المغربية..

      يقول محمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه “من أعلام الفكر والأدب في العصر المريني” (مطبعة النجاح الجديدة، 1992، ص: 292) عن علي بن ميمون الغماري: “ينتسب هذا العالم إلى قبيلة غمارة الموجودة في شمال المغرب بإزاء السواحل حيث المقاومة والجهاد ضد التدخل الأجنبي، كان شديدا طوال التاريخ، وحيث الرُّبُط والمحارس كانت قائمة يرابط بها العلماء والصلحاء وأهل الفضل..”.

      قال بن ميمون الغماري عن نفسه في “رسالة الإخوان” -نقلا عن محمد الدباغ- أنه “حينما كان ببلاد غمارة، حفظ القرآن قبل البلوغ، وقرأ في ذلك نظم الخراز في رسم القرآن وضبَطه حفظا، وحفظ نظم أبي الحسن بن برّي في قراءة ورش وقالون عن الإمام نافع، وحفظ الجرومية في النحو، وحفظ نظم الشيخ أبي مقرع في معرفة حساب السّنَة. ثم بعد البلوغ مَنَّ الله عليه بحفظ رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ونظم الشيخ أبي إسحاق التلمساني في الفرائض. واشتغل في مبادئ الحساب والفرائض حتى حصل على معرفة المناسخات والتركات والإقرار والإنكار والوصية والتدبير والصلح وسائر أبواب الفقه والفرائض. وذكر أنه كان يحفظ هذه الكتب كلها وهو في سن العشرين أثناء إقامته ببلاد غمارة، وبعد ذلك رحل إلى مدينة فاس حيث دخلها في عشرة السبعين وثمانمائة لا يدري في السادسة أو في السابعة منها…

      ونستفيد من الأستاذ محمد الدباغ أنه ازدهرت في هذه البيئة الحركات العلمية والصوفية نظرا لالتحام أبنائها بمن كان يفد عليهم من علماء الأندلس ومن مختلف الأرجاء المغربية، وتعددت الدراسات والبحوث المتعلقة بالقرآن والحديث والسيرة والفقه، وأصبح بعض سكانها يرغبون في تتميم ثقافتهم خارج منطقتهم مثل ما فعل ابن ميمون. فقد توجه إلى فاس بعد أن حفظ القرآن والمتون، فتلقى هناك من مختلف الشيوخ فنون العلم وضروب الأدب. ودرس بعض العلوم التي يحتاج إليها بالضرورة كعلم الحساب والتعديل والهيئة، ورغب في تقوية الجانب السلوكي، إلا أنه رأى أن المحيط الذي يحيط به لا يكفيه في تحقيق طموحه التربوي، فقرر مغادرة مدينة فاس والتوجه إلى المشرق، وطالت رحلته التي قام بها فكانت رحلة إلى الأبد. وكان شديد التعلق بالجانب السني فلم يكن في تصوفه يميل إلى نزعات المغالين؛ ومال “إليه عدد من الأتباع رغبوا في طريقته، ورضوا بتربيته، ووفدوا من مختلف البقاع.. حينما كان مقيما بمدينة بورصة بتركيا أيام السلطان بايزيد الثاني، فوجدوا فيه ضالتهم.. والغالب-يقول الأستاذ الدباغ في كتابه (ص: 292)- أن السبب في كونه كان يميل إلى هذا الجانب السني مرجعه إلى الاقتداء بطريقة الإمام الشاذلي، وطريقة مولاي عبد السلام بن مشيش، فهما معا من بلاد غمارة، وهما معا كانا شديدا الحرص على الاعتدال في الاعتقاد والسلوك.. والظاهر أن ابن ميمون في مدينة بورصة كان يلقى ترحابا من الخليفة العثماني بايزيد؛ لأن هذا الخليفة نفسه كان يحب العلم ويشجع أهله ويحب أهل التصوف…

      ونستفيد من العلامة الحسن السائح في كتابه “التاريخ العلمي لجامعة القرويين”، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) أنه وجدت “وثيقة مهمة جداً عن سير الدراسة وبرامج التعليم ومناهجه في القرويين على عهد الوطاسيين وهي “الرسالة المجازة في معرفة الإجازة” التي ألفها صاحبنا أبو الحسن علي بن ميمون، ويذكر المؤلف أنه أقام بفاس أيام الوطاسيين بقصد الدراسة في القرويين طيلة أربعة عشرة سنة، حيث أقام في بعض مدارسها قبل أن يخرج قاصداً الحجاز والشام ثم بورصة بتركيا… ويظهر من هذه الرسالة أن العلوم الشائعة في هذا العهد بالقرويين هي الفقه المالكي والحديث والتفسير والنحو والفرائض والحساب والتوقيت والتعديل والتوحيد والمنطق والبيان والطب وباقي العلوم العقلية، وأن الدراسة كانت تعتمد على حفظ النصوص، ولا يقدرون من الطلبة والأساتذة من لا يحفظ النصوص، وكان شعارهم “من لم يحفظ النص فهو لص”. ويقول العلامة محمد بن جعفر الكتاني في “سلوة الأنفاس” عن هذه الرسالة التي اقتطف شذرات منها بأن مؤلفها ابن ميمون جال في تلمسان وبجاية وتونس والحجاز ومصر فلم ير في علماء هذه المدن وأشياخها من يصل إلى درجة علماء القرويين بفاس، ويستفاد من هذه الرسالة بأن التلميذ قبل الدخول إلى القرويين كان لابد أن يكون حافظاً للقرآن والرسم والتجويد، حافظاً المصنفات والمنظومات…”، وهو يؤكد ما قاله ابن ميمون الغماري عن نفسه في “رسالة الإخوان” عن مراحل تعليمه الأولى..

      خلف العلامة علي بن ميمون كتبا منها “بيان غربة الإسلام بواسطة صنفين من المتفقهة والمتفقرة من أهل مصر والشام وما يليهما من بلاد الأعجام” (طبع ببيروت، 2007)؛ و “رسالة الإخوان من أهل الفقه والقرآن”؛ و”تنزيه الصديق عن صفات الزنديق” وهو كتاب نفيس في الدفاع عن العارف ابن عربي الحاتمي… ونتعرف على كتب أخرى لابن ميمون الغماري من خلال نجم الدين الغُزّي في كتابه “الكواكب السائرة في أعلام المائة العاشرة” (تحقيق جبرائيل جبور، دار الآفاق الجديدة-بيروت-،  1979)، يقول: “ثم رأيت ابن طولون (يقصد محمد ابن طولون الدمشقي الصالحي تـ 953 هـ) ترجم سيدي علي بن ميمون في كتابه “التمتع بالإقران بين تراجم الشيوخ والأقران”، وذكر من مصنفاته “بيان فضل خيار الناس، والكشف عن مكر الوسواس”، و”الرسالة الميمونية، في توحيد الجرومية”، و”كشف الإفادة، في حسن السيادة”، و”مواهب الرحمن، في كشف عورات الشيطان”..

      ويتميز ابن ميمون الغماري بعمق علمي كبير في كتاباته، يصاحبه نفس إصلاحي وتربوي ينم عن تبني الرجل لمشروعٍ علمي وإصلاحي كبير تمثل في التقعيد لنظرية في العلم تجمع بين البيان والبرهان والعرفان..

      يقول علي بن ميمون الغماري في كتابه “بيان غربة الإسلام” (مخطوط الخزانة الوطنية بالرباط، رقم 2123 – ورقات 61 – 70) “… ولقد رأيت بعض من زعم التصنيف والتدريس والفتوى بدمشق والشام سنة أربع بعد تسع مائة وانتهت إليه الرياسة (…) قيد في بعض تصنيفه شيئاً ما فهِم معناه بالكلية، بل وجد كلاماً لبعض من تقدمه بالتصنيف أو بالتقييد، وتكلم فيه بفهم نفسه بغير معرفة قواعد ذلك الفن، ولا ينقل كلام غيره بوجه من الوجوه، وهذا المعنى في هذا الزمان محل عادة”.

      ويقول -رحمه الله- في نفس الكتاب (الورقات: 70 – 71): “… لكن لما كثر الجهل والوهم والهوى، وقوى على أربابه صدروا أنفسهم للنسخ على الجهل بقواعده وفروعه وسموا أنفسهم مصنفين فيظن من هو أعمى منهم أن ذلك تصنيف، الّلهم أن يقال تصنيف الكذب، فنعم فإن هذا الأمر الذي هُم عليه من التخليط هم صنفوه أي أبدعوه من اقتراح نفوسهم الأمارة، وألبسوا الحق بالباطل، حملهم على هذا طلب الرياسة والرياء والسمعة وحب الدنيا فضلوا وأضلوا”.

      ويقول: “… ووجه تخصيص أهل مصر والشام وبلاد الأعاجم دون سائر بلاد الإسلام، وذلك لأن البلاد التي رأيتها من المغرب الأقصى إلى الشام ما رأيت من أهلها من أهل الفقه والفقر ما علمته من أمور هؤلاء المذكورين هنا من انتهاك حرم قواعد الإسلام، وإماتة معالم السنة، ودس الشريعة المحمدية، والاستسخار بالدين الرحماني، وإيحاء البدع المميتة للسنة…” (نفس المخطوط، ورقة: 5).

      وجاء في كتاب “الكواكب السائرة في أعلام المائة العاشرة” لنجم الدين الغزّي (بيروت، 1979): “وكان شيخنا الشيخ حسن الصلتي المقري، يذكر أنه رأى سيدي علي بن ميمون، وحضر مجالسه (..)، ومن كراماته أن المطر حبس بدمشق في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، فكتب سيدي علي بخطه درجاً إلى نائب دمشق سيبائي، فحضر النائب بالدرج إلى الجامع الأموي في يوم الجمعة رابع رمضان، فقرأه على مفتي دار العمل السيد كمال الدين بن حمزة، والقضاة الثلاثة الشافعي ابن الفرفور، والمالكي خير الدين، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، فإذا فيه آيات من القرآن العظيم، وأحاديث من السنة في التحذير للتُّرك ونحوهم من الظلم، ثم انتقل إلى الفقهاء والقضاة فحذرهم من أكل مال الأوقاف، ثم حث على الاستغفار، وذكر ما يتعلق بذلك، ومن نقل ذلك من السلف بحيث أن سيبائي ذرف دمعه فهم في أثناء قراءة الدرج وقع المطر، وجاء الله تعالى بالغيث… كذلك ذكر هذه الواقعة ابن طولون الدمشقي الصالحي في كتابه “التمتع بالإقران بين تراجم الشيوخ والأقران”، وأنا لا أشك-يقول نجم الدين الغزّي- في أنها كرامة ظاهرة..”، وقال –أي ابن طولون في كتابه “التمتع بالإقران بين تراجم الشيوخ والأقران”: “قدم (علي بن ميمون الغماري) دمشق فتلقاه الشيخ عبد النبي، وأنزله بحارة السكة بالصالحية، وهرع للسلام عليه طلبة العلم والفضلاء والعلماء والقضاة والأمراء، وصار يسأل كلاً عن اسمه، وينهاه عن ذكره اللقب إن ذكره، ثم عن حرفته ويوصيه بتقوى الله تعالى، ثم يوجه نفسه إلى القبلة، ويرفع يديه إلى وجهه ويقرأ له الفاتحة، ويدعو له ويصرفه، وإن رأى في ملبسه شيئاً منكراً ذكره. قال: ثم عقد للتسليك مجلساً في منزله، فتلمذ له خلق من المذاهب الأربعة كالشيخ عبد النبي من المالكية، والشمس ابن رمضان من الحنفية، والشهاب بن مفلح من الحنابلة، والزين الحموري من الشافعية، وآخر من تسلك على يديه منهم القاضي أبو عبد الله محمد بن عراق، وشاع ذكره وبعد صيته، وصار كلامه مسموعاً عند الأمراء خصوصاً نائب الشام سيبائي، ثم قال ابن طولون: اجتمعت به وسلمت عليه، ثم ترددت إلى مجلسه، فما رأت عيني أعظم شأناً منه لكنه كان يستنقص الناس، وقال أحياناً: ما رأيت في هذه المملكة أعلم من ابن حبيب الصفدي، قال: وكان ابن حبيب مشهوراً بمحبة ابن العربي، ويتبجح بها..”.

      ومما يؤكد قول ابن طولون أن صاحبنا ابن ميمون الغماري كان يستنقص الناس، اعتراف ابن ميمون بنفسه بذلك فيما يمكن اعتباره نقدا ذاتيا، ومراجعة للنفس، وتوبة نصوحا من أمراض نفسية كانت قد اعترته في مرحلة الطلب.. يقول ابن ميمون الغماري في “رسالة الإخوان”: “وكنت مع أبناء جنسي في اجتهاد المطالعة والدرس والحفظ والمكابدة ليلا ونهارا. فكان دأبنا في زمن الشتاء لا نأكل طعاما من الليل إلى الليل لكثرة المجالس، وكثرة ترددنا عليها من صلاة الصبح إلى صلاة العصر، وأنا في كل ذلك حسود غضوب حقود متكبر رئيس مستسخر محب للدنيا، إن رأيت من هو أعلم مني، وأحفظ وأفهم وأَجَد في الطلب أحسده، وأغضب عليه، وأحقد وأتمنى أن يكون ذلك عندي لا عنده لنكون عند الناس بمنزلة… ولا أعلم مسألة ولا علمتها ولا حضرت مجلسا بالله لله، ولا أعرف ذلك ولا طالعت كتابا لأفهم ما فيه وأتكلم به بعد حفظه وفهمه ونقله إلا ونيتي في ذلك لأكون أحفظ أبناء جنسي وزماني وأفهمهم. وإن تكلمت مع أحد في مسألة على وجه المباحثة ما أريد أن يكون الحق إلا معي، وأظهر الخلل في كلامه إما في العبارة أو في الفهم أو بعدم الإنصاف فأنسب إليه الجهل والقصور.. وربما أكون أحيانا لم أفهم صورة المسألة وأعلم من غيري أنه فهمها فآنف معه بالخصومة والجدل على غير الإنصاف، بل بالاعتراض وإظهار الخلل في فهمه قاصدا بذلك الوصول إلى فهم صورة المسألة وفهم ما يستشكل في أمرها”. فأنت تلاحظ أيها القارئ الكريم كيف لخص ابن ميمون –رحمه الله- العوارض النفسية الأمارة بالسوء التي استولت عليه في مرحلة من حياته على الرغم من أن المقام مقام علم وتَلق ومباحثة، ومنه نفهم أن أخلاق العلم هي غير ما عانى منه ابن ميمون قبل أن يمن الله عليه بالتوبة بعد أن “قهر نفسه، وأبعد مظاهر الحقد، وبحث عن المرشد المربي الذي دفعه إلى الحفر في أعماق نفسه ليتدفق منها ينبوع من الحكمة يعينه على التوجه إلى الله صادقا. وبنى اعترافه هذا على أساس ديني محض، حيث ذكر أنه يستجيب لقول الله تعالى : “يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين”..

      يقول محمد بن عبد العزيز الدباغ في كتابه سابق الذكر (ص: 293-294): “والغالب أن ابن ميمون أحس بعدم الاستقرار في بلاد بورصة بعد اضطراب أحوالها، فغادرها قبل أن يتفاحش الموقف، ورجع إلى بلاد الشام فأقام بصالحية دمشق، وهنا جدد نشاطه العلمي والتربوي، وأصبح يدرس العلوم المتوفرة لديه، ولكنه يحن دائما إلى المغرب وأهله.. وفي يوم من الأيام بينما هو في هذه المدينة، إذ وفد عليه رجلان من بلاد حاحا من المغرب وذلك عام 915هـ، فوجد الفرصة سانحة للسؤال عن أحوال بلاده، وأحوال مدينة فاس، والتمس منهما أن يحملا منه رسالة إلى أبناء شيوخه وأساتذته شرح فيها بعض آرائه، وفسر فيها بعض الآيات القرآنية طبقا لأهدافه التربوية، وجعلها سبيلا إلى خلق تواصل جديد بينه وبين تلك المدينة التي مازال يحن إلى رجالها وعلمائها وصلحائها، وتعرف هذه الرسالة “برسالة الإخوان من أهل الفقه وحملة القرآن”. وفيها ذكر أسماء بعض شيوخه كأبي زيد عبد الرحمن بن سليمان النالي الشهير بالحميدي، وأبي الحسن علي الزقاق، وأبي عبد الله محمد بن أبي جمعة، وأبي عبد الله محمد المكناسي، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم، والحافظ أبي عبد الله محمد بن الغازي، وأبي العباس الونشريسي. كما ذكر أسماء بعض الفضلاء من الفقراء، والقراء كأبي عبد الله محمد الهبطي، وأبي العباس أحمد الدقاق، وأبي العباس الحباك…

      قال ابن ميمون الغماري في ديباجة “رسالة الإخوان”: “وقد ذكر لي المخبران المذكوران أن جماعة من أولاد السادات المذكورين هنا وغيرهم نشئوا بعدي نشئا صالحا ورزقوا فهما وعلما وقراءة وفقها… فتمنيت عند ذلك الاجتماع بهؤلاء السادات الكبار والصغار وأتملى من مشاهدتهم ومحادثتهم بشيء مُنَّ به علي من علوم الأسرار اللوحية الكاشفة للحجب عن معاني بواطن الآي القرآنية والأحاديث النبوية على مقتضى ظاهر الشرع وباطنه شريعة وطريقة وحقيقة. فلما رأيت أنه حيل بيني وبين هذا في الوقت لبعد المسافة، سنح في سري أن أكتب رسالة على مقتضى سلوك الطريق المحمدية الممدة من أسرار العلوم اللدنية حسب ما من عليّ على يد أستاذي الشيخ العارف بالله أبي العباس أحمد بن محمد النباسي الإفريقي، وهو أخد عن شيخه أبي العباس أحمد الشابي القيرواني، وهو أخد عن الشيخ عبد الوهاب الهندي إلى آخر السند الذي وصل به إلى سيدنا علي كرم الله وجهه..

      وقد ذكر ابن ميمون الغماري أن الهدف من بعث رسالته إلى أبناء السادات العلماء مع المخبرين الحاحيين هو “أن ينوِّر الله بواطنهم بأسرار معاني الكتاب والسنة كما نور ظواهرهم بظواهرهما”، وبعد هذا حدد فصولها في سبعة فصول نابعة من سبعة أصول هي: الأصل الأول: “فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” [سورة الاَنبياء، جزء من الآية: 7]، والثاني: “فاعلم اَنه لا إله إلا الله” [سورة محمد، جزء من الآية: 19]؛ والثالث: “وما خلقت الجن والاِنس إلا ليعبدون” [سورة الذاريات، الآية: 56]؛ والرابع: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ” [سورة البينة، جزء من الآية: 5]؛ والخامس: “إن النفس لأمارة بالسوء” [سورة يوسف، جزء من الآية: 53]؛ والسادس: “إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا” [سورة فاطر، جزء من الآية: 6]؛ والسابع: “فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور” [سورة لقمان، جزء من الآية: 33]..

      وقد سار ابن ميمون في تأمله لآي القرآن المجيد على أساس طريقة الإشارة بأسلوب مستوعب ومتجاوز، وقد آمن بأن “الصنائع المنتفع بها في الدنيا أصلها من علم الله”، وأن الذّكر يمكن أن يكون المراد به العلم كيفما كان سواء كان علما نظريا أو دينيا أو صناعة؛ لأن الذكر لفظ عام يطلق على القرآن وعلى سائر العلوم وكل الصنائع الكلية..

      توفي ابن ميمون الغماري بقرية مجدل معوش من قرى لبنان سنة 917هـ، وهي القرية التي انتقل إليها في آخر حياته بعد سنوات طويلة قضاها بالصالحية بدمشق… قال نجم الدين الغزي في “الكواكب السائرة” (ج 3): “وكان سبب انتقال سيدي علي بن ميمون من دمشق إلى مجدل معوش، وهي قرية من معاملة بيروت أنه دخل عليه وهو بصالحية دمشق قَبضُ، واستمر ملازماً له حتى ترك مجلس التأديب، وأخذ يستفسر عن الأماكن التي في بطون الأودية، ورؤوس الجبال حتى ذكر له سيدي محمد بن عراق مجدل المعوش، فهاجر إليها في ثاني عشر المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة”، وقد دفن بجواره تلميذه محمد بن عراق عالم الحديث الشهير الذي دله على القرية التي سيدفنان بها معا، رحمهما الله.

      والله الموفق للخير والمعين عليه.

أرسل تعليق