Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

صورة نموذجية

لا تذكر نساء بيت النبوة إلا وجب أن تذكر قبلهن كبراهن خديجة أم المؤمنين -رضي الله عنها-؛ لأنها كانت أول من استقبل نزول الآيات الأولى من كتاب الله تعالى حين عودة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من تحنثه بغار حراء، ونزول أول ما نزل من سورة العلق، فدخل عليها يرجف بها فؤاده، فكان منه ومنها ما كان، مما هو مبسوط في الصحيح في “باب كيف كان بدء الوحي”.

ولا يذكر أيضا بيت النبوة إلا وجب أن يذكر من سبق من أهله من الولدان إلى الدخول في دين الله من الصبيان، وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكذا يجب أن نستحضر معه حبر الأمة وترجمان القرآن: عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وقد كان عند موت النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يبلغ بعد من السن مبلغ الرجال، وكان عمر –رضي الله عنه- في خلافته يقربه إليه لحذقه وسعة علمه مع صغر سنه.

غير أننا يعنينا من اختبار بيت النبوة هنا؛ ما كان يتصل برواية القرآن تعالما وتعليما من لدن نساء النبي –صلى الله عليه وسلم– ومن كان يخالطهن من النساء. ولعل أول من يتبادر إلى الأذهان منهن: عائشة الصديقية ابنة أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما – ومن معها من أزواج الرسول –صلى الله عليه وسلم- اللاتي تشرفن بالانتساب إلى البيت النبوي الشريف، كما تشرفن بهذا التنويه الإلهي المتمثل في تذكير الله -عز وجل– لهن بقوله: “واذكرن ما يتلى في بيوتكن من اَيات الله والحكمة” [سورة الأحزاب/ الآية: 34].

فعائشة -رضي الله عنها– معدودة فيمن جمع القرآن على عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي، كما أن لها رواية لبعض الحروف الشاذة التي ذكر أنها كانت في مصحفها قبل اجتماع الأمة على ما هو متواتر ومدون في المصحف الإمام.

وقد قالت عائشة – رضي الله عنها- في سياق حديث قصة الإفك: “وكنت جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن [1] . فدلت بذلك على أنها قد كانت تقرأ منه، وأن كبار النساء آنذاك كن يحفظن كثيرا من القرآن، وأن الحداثة منعتها من مشاكلتهن في ذلك، وجاءت الأخبار بأنه قد كان إذ ذاك نساء كن يحرصن على قراءة القرآن وجمعه وحفظه، وأن فاطمة أخت عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- كانت تقارئ زوجها سعيد بن زيد سورة طه، وأن عمر يومئذ دخل عليها فجأة فسمعهما يقرآن القرآن فسأل عن ذلك، فكان ما سمعه واستعاده سبب إسلامه [2]  .

وكانت حفصة أم المؤمنين بنت عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- من قراءة القرآن وحفظه وتلاوته بمنزلة رفيعة حتى عدها المؤلفون في علوم القرآن فيمن حفظ القرآن في عهد النبوة، وروى أبو داود في سننه من حديث الشفاء أم سليمان بن أبي حتمة قالت: دخل علي النبي-صلى الله عليه وسلم- وأنا عند حفصة، فقال: “ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها الكتابة ؟ [3] ”   وولدها سليمان بن أبي حتمة كان صغير السن قارئا للقرآن، وقد ولاه عمر –رضي الله عنه-الصلاة بالنساء في تراويح رمضان بالمسجد النبوي [4].

كان حفظ القرآن فاشيا في بيوتات الأنصار، فكان من أشهر الحافظات أم ورقة الأنصارية. روى الوليد بن عبد الله بن جُميع قال: حدثتني جدتي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن، وروي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يزورها ويقول: انطلقوا بنا نزُر الشهيدة [5].

قال الإمام أبو بكر الباقلاني: “وكانت أم الدرداء –هجيمة الأنصارية– من المشهورات بحفظ القرآن وأخذ نفسها بدرسه والقيام بإعرابه، وروى يونس بن ميسرة الجيلاني عن أم الدرداء قالت: إني لأحب أن أقرأه كما أنزل. قال: وكانت أم عامر الأشملية ممن تقرأ ويكتب لها، وجاءت بما كانت تحفظه إلى زيد بن ثابت أيام جمع أبي بكر للقرآن مكتوبا لها بخط أبي بن كعب، وروى داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال: سمعت أم عامر أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية تقول: قرأت القرآن قبل أن يقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم- علينا من مكة إحدى وعشرين سورة، ثم عدتها في الرواية عنها، منها من الطوال، ومنها من المفصل، ومن الطوال يوسف وطه ومريم، ومن الحواميم”. قال الباقلاني: “فنرى أنه كم يجب على هذا أن يكون حفظ القرآن وكثير منه عند انتشار الإسلام وظهوره في الآفاق وكثرة أهل العلم والشداة فيهم وسماع أزواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كحفصة وأم سلمة وعائشة عند ترادف نزول الوحي به وتلاوته في بيوتهن، وأخذه من منازلهن، وحضور من يحضر من النساء عندهن، ويقرأ عليهن، ويحتجن إلى تدريسهن، ويأمرهن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتعليمهن.

وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يأخذ الصحابة بتعليم الولائد والأطفال والأخذ لهم به، حتى روى سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قال: “جمعت المحكم على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : يعني المفصل، وكانت سنه إذ ذاك ثلاث عشرة سنة أو دونها.

وقد تحفظ أيضا زيد بن ثابت –رضي الله عنه- شيئا كثيرا في حال صغر سنه، فروى ابن أبي الزناد عن أبيه أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه أخبره أنه قدم على رسول الله-صلى الله عليه وسلم- المدينة، قال زيد: فذهب بي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزله الله عليك سبع عشرة سورة قال: فأعجب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ذلك، وقال لي: يا زيد، تعلم كتاب يهود، فإني والله ما آمنُ يهود على كتابي قال: فتعلمت له كتابهم، فما مرت بي خمسة عشر حتى حذقته، وكنت أقرأ كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب، وذكر انه كانت سنه إذ ذاك إحدى عشرة سنة [6] .

 وفي المستدرك للحاكم عن زيد بن ثابت قال: “قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم- المدينة وقد حفظت سبع عشرة سورة فقرأت عليه فأعجبه ذلك” [7]. وفي الحلية عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه ذكر سبعين رجلا كانوا إذا جنهم الليل أووا إلى معلم لهم بالمدينة يبيتون يدرسون القرآن [8].

وفي الصحيح من حديث عمرو بن سلمة قال: “كنا على حاضر فكان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأدنو منهم فأسمع، حتى حفظت قرآنا كثيرا” [9].

وفي رواية أخرى عن عمرو بن سلمة قال: “كان ركبان يأتوننا من قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنستقرئهم، فيخبروننا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليؤمكم أكثركم قرآنا” [10]

———-

1.  انظر قصة الإفك في صحيح البخاري: 2: 945. صحيح مسلم: 4: 235.
2.  سيرة ابن هشام1: 431. طبقات ابن سعيد1: 267. والانتصار لنقل القرآن للباقلاني 146 – 147.
3.  سنن أبي داود.
4.  طبقات ابن سعيد، 4: 150.
5.  سنن أبي داود 1: 161. مسند احمد 10: 362 رقم 27351.
6.  مسند أحمد 8: 146 رقم 21674. الانتصار لنقل القرآن: 148 – 150.
7.  المستدرك، 32: 431.
8.  حلية الأولياء، 1: 23.
9.  صحيح البخاري- كتاب المغازي 5: 104 رقم 4302.
10.  مسند أحمد 5: 386 رقم 15902. سنن أبي داود 1: 160.

أرسل تعليق