Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

شعاع البصيرة يشهدك قربه منك، وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده

من الحكم العطائية نسبة إلى العالم الفقيه والصوفي الجليل سيدي أحمد بن عطاء الله ال سكن دري (1260-1309ﻫ) كتب الله -عز وجل- لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر تليدة في قواعد السير إلى ملك الملوك، لها من الشروح ما يند عن الحصر والعد، مغربا ومشرقا، وترجمت إلى عدة لغات.

      في هذه الحكمة المباركة، يُبرز الشيخ بن عطاء رضي الله عنه أن البصيرة ثلاث درجات، وإذ كانت البصيرة هي قوة القلب المدركة، أو عين الروح، فإنها لها درجات من الانفتاح يمكن فهمها من خلال تأمل درجات انفتاح المقلة البصرية، فكما أن المقلة البصرية تنفتح بعد طول عشى فلا تبصر إلا الشعاعات.

      فالبصيرة التي هي قوة القلب المدركة، تنفتح بعد طول غفلة حين تغمرها شعاعات إدراكية وواردات نورانية، وهذا هو الذي يسميه الشيخ رحمه الله “شعاع البصيرة”، مظهرا أن هذه المرتبة الأولى من مراتب البصيرة تجعل صاحبها يشهد قربه من الموجِد جل جلاله، إذ يكون هذا المدرك قيد الاستيقاظ، فلا يكون منه غياب عن السوى؛ لأن أنوار البصيرة قد طفقت للتو بالانبجاس، فلا يشعر إلا من خلال ذاته والتي كان إلى عهد قريب لا يُحس سواها، فتكون هذه الذات محتفظة بكثافتها ولكن بطريقة محمودة؛ لأنها هنا وسيلة شهود الموجِد.

      وأما المرتبة الثانية من مراتب البصيرة، فيسميها الشيخ رحمه الله “عين البصيرة”، وهي مرتبة تحصل معها غيبة عن السوى، يكون سببها الانجذاب نحو حضرة الحق سبحانه، لما يغمر السالك من أنوار فلا يرى أو يشهد إذ ذاك إلا نور وجود الحق، وهو ما يسميه القوم الفناء، وهو وقوف عند المرتبة الأولى من مراتب آية النور، أي قول الله عز وجل: “الله نور السموات والأرض” [سورة النور، الآية: 35]، وهي مرتبة يحصل معها الاستغناء بوجوده عن كل وجود، بما فيه وجود الذات التي لا تبقى لها الكثافة المعهودة لها سلفا، وهو ما عبر عنه الشيخ رحمه الله بقوله: “وعين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده”.

      وأما المرتبة الثالثة من مراتب البصيرة فهي تلك التي سماها الشيخ رحمه الله “حق البصيرة”، والذي يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك، فلا أنت موجود لفنائك، ولا أنت فان لوجودك، فتُرابِيتك ناتجة من خلق العدم، وروحانيتك واردة من عين الوجود، وهو مقام المتمكنين الذين استوت بصائرهم فانفتحت بعد طول غفلة، ثم انبهرت لغمرة الأنوار لتستوي بعد ذلك تحت لواء قوله تعالى: “سبحان الذي أسرى بعبده”، فأنوار الصمدانية السبحانية لم تمح افتقار العبودية التبعية، فبشعاع البصيرة يقوم لسان الميزان، وعين البصيرة بالقسط يقيم الميزان، وحق البصيرة يضمن عدم إخسار الميزان، وهو قول الله تعالى: “والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان” [سورة الرحمن، الآية: 7-9]، فشعاع البصيرة يُمكّن من استبصار الخلق بالحق، وعين البصيرة يورد على فناء الخلق في الحق، وحق البصيرة يُعَبّد المرضي من الخلق لجناب الحق.

      والله الهادي إلى سواء السبيل.

الأمين العام

                                                            للرابطة المحمدية للعلماء

التعليقات

  1. سندس

    الحكمة هي نور الأبصار، وموقظة القلوب من سِنَة الغفلة، ومنقذة للبصائر من سِنَة الحيرة، ومحيية لها بإذن الله من موت الجهالة، ومستخرجة لها من ضيق الضلالة، وهي صديقة العقل، وميزان العدل، وروضة الأرواح، ومزيحة الهموم عن النفوس، وأنس المستوحش، وأمن الخائف، ومتجر الرابح، وحظ الدنيا والآخرة.

  2. نور الخالدي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    درجات البصيرة:

    قسم ابن القيم البصيرة ثلاث درجات:

    1 – البصيرة في الأسماء والصفات: وهي أن لا يتأثر إيمانك بشبهة تعارض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله – صلى الله عليه وسلم -، بل تكون الشُّبه المعارضة لذلك عندك بمنزلة الشُّبه والشكوك في وجود الله، فكلاهما سواء في البلاء عند أهل البصائر.
    2 – البصيرة في الأمر والنهي: وهي تجريده عن المعارضة بتأويل أو تقليد أو هوى، فلا يقوم بقلبه شبهة تعارض العلم بأمر الله ونهيه، ولا شهوة تمنع من تنفيذه وامتثاله والأخذ به، ولا تقليد يريحه عن بذل الجهد في تلقي الأحكام من مشكاة النصوص.
    3 – البصيرة في الوعد والوعيد: وهي أن تشهد قيام الله على كل نفس بما كسبت في الخير والشر عاجلاً وآجلاًَ في دار العمل ودار الجزاء، وأن ذلك هو موجب إلهيته وربوبيته وعدله وحكمته؛ فإن الشك في ذلك شك في إلهيته وربوبيته بل شك في وجوده، فإنه يستحيل عليه خلاف ذلك، ولا يليق أن يُنسب إليه تعطيل الخليقة وإرسالها هملاً وتركها سدى، – تعالى – الله عن هذا الحسبان علواً كبيراً.

  3. نوال الزاكي

    إن هذا النور منحة ربانية لا تشاهدها الأبصار، ولا تصفها الكلمات
    بل يحسها كل صادق في إيمانه.

    قال تعالى: "أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
    كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[سورة الأنعام، الآية 122].

    فهذا مثل للذي هداه الله بعد الضلالة، وأضاء بصيرته بنور الحجج والآيات يتأمل بها الأشياء
    فيميز بين الحق والباطل
    ويجد الإنسان في قلبه هذا النور
    فتتكشف له حقائق الوجود وحقائق الحياة وحقائق الناس وحقائق الأحداث التي
    تجري في هذا الكون وتجري في عالم الناس
    ويجد الإنسان في قلبه هذا النور
    فيجد الوضوح في كل شأن وفي كل أمر وفي كل حدث .
    وجد الوضوح في نفسه وفي نواياه
    ويجد الوضاءة في خواطره ومشاعره وملامحه
    ويجد الراحة في باله وحاله وقاله
    ويجد الرفق واليسر في إيراد الأمور وإصدارها، وفي استقبال الأحداث واستدبارها
    ويجد الطمأنينة والثقة واليقين في كل حالة وفي كل حين .

    قال تعالى: "قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا
    وَمَا أنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ " [سورة الأنعام، الآية: 104].

أرسل تعليق