Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

حركة الشباب كالنهر المتدفق سرعة وارتفاعا وقوة اندفاع

الناس في حاجة إلى الجديد والنافع، وميزات كل كاتب بالتدقيق هو ما يقدمه للقارئ الكريم، من إضافة جديدة ورصينة للمعرفة، وعلى كل من أراد أن يساهم في خدمة الإنسانية المتعطشة إلى المعرفة، أن يضيف الجديد ويقدمه في قالب سهل وموجز يزينه الحب وأن يعطي لغيره أفضل ما يستطيع وأرقاه، في عصر تفجرت فيه المعارف وتدفقت من كل حد وصوب، وأن يفتح قلبه لكل الإخوة الأعزاء الذين يتابعون ما يكتب وينشر، مساهمة منه في نهضة ترقى بالإنسان مع عفة لسان وقوة حجة ورجاحة عقل، وهذا ما يترتب عليه تجاه قرائه لأنه واجب أكبر وأعز، وأن يفتح آفاقا جديدة في هذا المجال.

إذا اتفقنا أن القضية الجوهرية هي المعنى والمحتوى والتطبيق بحوار بين الكاتب والمتلقي، مع الاعتراف بالإنسان كإنسان، والتصميم على رعاية المسيرة الإنسانية وموقعها في هذا الكون وكيف نفهمها ونتعامل معها، فما أحوجنا إلى ذلك في هذا العصر المرتجف القارس، وللعلم فالعقل والعلم متلازمان دائما، ولا يصح وجود أحدهما إلا بوجود الآخر، ومنذ فجر التاريخ وفي كل الحضارات، والمجتمعات الإنسانية المعروفة، كان الإنسان في الحقيقة ذا أبعاد متعددة متكاملة، لا يمكن تجزئتها وفصل بعضها عن بعض، والعلم يعنى بالحقائق والعقل هو ضابطها، والعلماء المبدعون هم ناس عاقلون عبروا حدود الحقائق إلى مراقي الأمور، ولم يخشوا أهوال الموج الرجاف، وفتحوا الأبواب الموصدة بكلمة خيرة يحليها النور المترقرق كوجه ملاك لميلاد حياة تشع بالرحمة لكل مكدود مرهق.

والكلمة النيرة يمعايير وضوابط ترطب الأجواء بين الإنسان وأخيه الإنسان وبصيرة تمنح الناس قدرات أكبر لتوظيف العلم بعقول تخدم المجتمعات، للوقوف على الجذور المشتركة والعميقة، وتأصيل ما يمكن أن يعطي للبشرية الدفعة الحقيقية، وعندما تلتقي الأفكار تبدأ المعرفة للصدق مع النفس ومع الآخر، ولقد قيل: “لا يمكن أن يصبح العالم كله سعيدا إلا إذا استعاض الناس عن محبة أنفسهم بمحبة الآخرين” كما أن الناس الطيبون يحبون الصوت العالي الذي يهتف باسم الإسلام في إصرار، والدعوة إلى إحياء الصوت الصامت لنداء المؤذن عند انبلاج الفجر الصادق وبكلمة: (الله أكبر) مجلجلا ثبت مجيد يحكي لنا مجد الإسلام وتاريخه، وهو نداء يدعو المسلمين لاقتحام المستقبل وتقديم الجديد النافع من أجل العلاج والخروج من الأزمة، بعمل الكثرة الغالبة من الشباب الأسوياء والمعتدلين، والاهتمام بمواضع الاتفاق، والنظر في حاجات مئات الملايين من المسلمين الذين لا يحملون على صدورهم إلا بطاقة الإسلام، ولا هوية لهم إلا هوية الإنسانية الظامئة إلى العدل والأمن والجمال والسلام والاستقرار.

حركة الشباب كالنهر المتدفق سرعة وارتفاعا وقوة اندفاع

ولا يملك القارئ المعاصر وهو يتابع الحياة الإنسانية لشعوب تقفز هذه القفزات الهائلة، وتحوز من الأدوات ما يختصر الزمان ويطوي المكان، ويفتح بسلطان العلم والمعرفة آلافا من الأبواب كانت إلى عهد قريب موصدة أمام الإنسان، ولقد ورد في السيرة النبوية أن الناس على عهد سيدنا أبي بكر رضي الله عنه أصابهم جهد، فغدوا إليه شاكين فقال لهم: “إني لأرجو أن لا يأتي الليل إلا ويفرج الله عنكم، فلما كان المساء أقبلت عير وتجارة كبيرة من الشام لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما علم تجار المدينة بأمرها، ذهبوا سراعا يطرقون باب عثمان، ويعرضون عليه بيعها، فقال عثمان لتجار المدينة كم تربحونني؟ قالوا الدرهم بدرهمين، قال: لقد زادوني، قالوا: الدرهم بأربع، قال: لقد زادوني، قالوا له: يرحمك الله من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: لقد زادني الله بكل درهم عشرة قالوا: فنحن لا نستطيع ذلك فقال عثمان: فإني أشهدكم يا معشر التجار أن كل ما ترونه من العير والتجارة صدقة على فقراء المسلمين”.

ومع ذلك فلا ينبغي أن ننكفئ على الذات معزولين بل الانفتاح على العالم لننتقل من الجمود على الموجود إلى البحث في الآفاق، والاختيار المطروح لم يعد اختيارا بين اللحاق والتخلف وإنما صار اختيارا بين الوجود المستقل المشارك في حركة الحياة وإن أمتنا التي تعيش مرحلة بيات طال مداه لن يخرجها منه إلا جيل من الشباب، قدماه في الأرض ورأسه في السماء وجذوره في الماضي، وأغصانه تسابق الدنيا إلى المستقبل القريب والبعيد.

وعلينا أن نحذر من أن يكون ارتباط شبابنا الوجداني بالماضي تعبيرا عن علة نفسية يخلقها العجز عن مواجهة الحاضر وتبعاته، أو اليأس من المستقبل واحتمالاته، فتعرض نفوسهم عن الحياة، فتلك حماقة لا تليق بعقلاء الشباب، في وقت تلح فيه الهموم من كل جانب على الأمة يكون من أكثر أنواع الصمت إثارة للدهشة والاستغراب، إن على أصوات الشباب أن ترتفع منادية بأن يكون للشباب حضور في الساحة الدولية، يتكافأ وأهميتها في أمة تجتاز أعظم الإحن والأزمات في تاريخها الحديث، وإذا ارتفع صوت الشباب بالكلمة المحببة يحق لنا أن نهنئ أنفسنا بهذه القيمة ومنجزاتها وجدواها وعمق تأثيرها، والرجاء في الله تعالى أن يكون تأثير في الجذور لا في القشور، وإليكم هذه القصة: افتخر بعض الأغنياء عند بعض الحكماء بالآباء والأجداد وبزخارف المال المستعار، فقال له الحكيم: “إن كان في هذه الأشياء فخر فينبغي أن يكون لها لا لك، وإن كان آباؤك – كما ذكرت- أشرافا، فالفخر لهم لا لك”.

والشباب بمثابة من يعيد عزف لحن النبض الأبدي، وإرادة الحياة هي محاولة غرس الشباب كقلب جديد تماما في جسم مريض أشرف على الموت، لكي يستمتع بالحياة حيث يواكب الآخرين في نبض التطور، والشباب هو الاستمرار في المستقبل لنبض الحياة، ومن أعطاه الله حب الكلمة الخيرة والحرص عليها، بل هو البلاغ المبين إلى ضمير الإنسانية، لترتيب الأولويات في الماضي والحاضر والمستقبل هو خير من يبحث للجميع عن نقاط الالتقاء، يبنون فوقها وينسجون حولها الكثير من طموحات الانطلاق نحو المستقبل، لأن هناك فضائل مشتركة بيننا وبين الآخر، ولا نستطيع ممارستها إلا إذا كنا حكماء عقلاء.

وإن جوهر الحياة السعيدة، أن نكف عن لوم الآخر ونستعين بالله تعالى على ظروف الحياة القاسية، وأن نقابل الإساءة بالصفح، وأن نحمل مشاعل النور لكل الناس، لتكوين مجتمع إنساني معين يعيش بين أكنافه الجميع، والترحيب بالضيف والغريب وفتح المجال له للاندماج في المجتمع، فالإنسان جواز مروره هو إنسانيته بهذه النظرة السامية والكونية للناس باعتبارهم وحدة لا فرق بين عربي أو عجمي أو أبيض وأسود، فأينما يحل الإنسان فالدار داره والأهل أهله، فالتباعد والحواجز المكانية والمسافية لا تحول بالضرورة دون التعارف والتعاون والتكاتف، ونمو العلاقات المتينة لبناء الحب الإنساني، ولا ينبغي أن نكون كهذا المثل قيل لرجل من الأعراب: “ما بال الحب اليوم على غير ما كان عليه قبل اليوم؟ فأجابه بقوله نعم كان الحب بالأمس في القلب، فانتقل اليوم إلى المعدة”.

وستشرق الشمس في كل يوم وتغفو، وسيهل القمر كل شهر ويذوب وستورق الأشجار وتتساقط أوراقها مع كل ربيع وخريف، ولكن هذا الشباب العجيب سيبقى خالدا في الأذهان، وستبقى أعماله مثالا يحتذي للأجيال ذكورا وإناثا على السواء، إنهم شباب ولا كالشباب، بإنسانية تميزهم عن الآخرين، إنهم شعلة من الذكاء وجيل من النبوغ، وأسفار من العبقرية والحيوية والإبداع، أبوا إلا أن يكونوا المشاعل التي تبدد الظلام، شباب يدعوا الآخرين إلى اللحاق بهم.. ويطول بي الحديث إذا قلت فنحن لم نقم تماثيل في حبهم، وهم جديرون بذلك، ولم نطلق أسماءهم على الشوارع وهم أهل لذلك أيضا، ولم تحمل مدارسنا أسماءهم وهم الذين حملوا راية نهضة شابة وعلمية شاملة، وكانوا أساتذة لأجيال عديدة.

والبشرية تتقيد بالمواعيد، وتحسب بالمواعيد والتواريخ، ولكن حركة الشباب لا تراعي ذلك، إنما هي كالنهر المتدفق، يحسب العادون سرعته وارتفاعه وقوة اندفاعه ويضعون المقاييس والسدود والجسور، ولكن النهر نفسه ماض في طريقه الأبدي، غير عابئ بشيء من ذلك، والشباب مجتمعين وفرادى يمكن أن يحققوا المعجزة يوم يقفزون قفزة واحدة مجتمعين ومتراصين؛ لأن الحياة قصيرة أقصر مما قد نحتاج لإسعاد قلوب هؤلاء الذين يسافرون معنا في نفس الطريق ولا يملكون تكاليف رحلة الحياة، لا تتردد أخي في إعطاء حبك، لا تتوانى في إهدائك لهم عطفك، الوقت يجري، وفي رحلات فكرك إلى الماضي البعيد والقريب كون دائما لذكريات حلوة مليئة بحب الناس والحياة في الحاضر والمستقبل..

والله من وراء القصد

أرسل تعليق