Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

باب العلم وأخلاقياته

      أفاضت مراجع كثيرة تزخر بها مكتبتنا الإسلامية في توضيح مكانة العلم وأهميته وضرورته؛ ولن أضيف شيئا في الموضوع. لكن الذي أريد الإشارة إليه هو أن الذي يشتغل في حقل الفكر الإسلامي يلاحظ أن عقولا متنورة من الباحثين تكاد تجمع، بطريقة أو أخرى، على أن العلم من حيث هو قيمة مركزية في التصور الإسلامي أنتج بدوره قيما أساسية تحفظه وتصونه، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:

       •   أولها يرتبط بفعل «التعلم» والحرص على طلب العلم.. والجدير بالذكر هنا أن الإنسان يحمل في أعماقه جينات وراثية لقابلية التعلم كما نصت على ذلك الآية الكريمة “وعلم آدم الأسماء كلها”، وبالتالي فهو ليس معذورا في جهله بأي شكل من الأشكال..

      والأمة الإسلامية حين أيقظت الفكرة وأحيت الفطرة أضحت رائدة العلوم في فترة وجيزة، وكانت عصورها الذهبية تشهد قيام ثورات علمية شاملة، قادها العلماء وثمن مسيرتها الحكام والأمراء  والوجهاء.. كل ينفق مما عنده، فلم يكتموا علمهم أو يؤثروا به أنفسهم عن غيرهم، كما هو حال الحضارة الغربية، بل فتحوا الأبواب لكل طالب علم، ويسروا السبل لمن ينشد المعرفة بكل أشكالها.

       •   أما النوع الثاني من هذه القيم فهو «الإتقان».. وقد تعددت الأدلة والشواهد على إضفاء الرقابة الذاتية المتصلة بالرقابة الإلهية في تحقيق أفضل العبادات وأحسن الأعمال وأدق الصناعات وأكمل الأشياء.. وهذا هو ما يعرف اليوم «بفن الأعمال»، فيخرج بذلك الغش والخداع والتدليس والتزوير والتحريف والرداءة في الإنتاج أيا كان نوعه، تحقيقا لكرامة الإنسان الذي يستهلك هذا المنتوج، معنويا كان أو ماديا.

       •   وثالث هذه القيم العلمية العامة هي «الأمانة» التي تحكم سير العلم في الحضارة الإسلامية، وهي تشكل الرقابة التي تحمي المجتمع والفرد من تسلط العلم عليهما، وتوجهه الوجهة التي تجلب المصلحة وتدفع المفسدة، وتسخر نتائج العلم لكل ما يعود بالنفع والخير العميم على الإنسان. وهذا الذي لم تفطن إليه الحضارة الغربية إلا بعد أن ألمت بها أنواع الدمار والتخريب، وعاشت ويلات النتائج العلمية المعكوسة، فبدأت بتشكيل منظمات وهيئات للمراقبة الصحية والنفسية والغذائية والبيئية وما شابه ذلك، علها تخفف من وطأة ما حل بها من مآسي ومشاكل وكوارث.

      لقد تردد كثيرا في الفكر الإسلامي الحديث بأشكال مختلفة السؤال التالي في صياغته المشهورة:

      لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟

      الجواب عنه هو أن الأمة فقدت العلم الذي هو مفتاح الولوج إلى عالم الشهادة على الناس، وفقدت معه قيمه المنبثقة منه.. ولن تعود إلى مرابض عزها ومجدها إلا إذا رسمت لنفسها طريق الإحياء بدقة وإتقان، يكون الانطلاقة التجديدية التي تعقبها الاستجابة الصادقة لاستعادة ذلكم المفتاح العجيب مع أخلاقياته، وهذا هو السبيل الذي سيفتح الله به على هذه الأمة لتجديد نيل شرف خير أمة أخرجت للناس.

التعليقات

  1. meiem

    شكرا لكم

  2. منذر

    أريد صور عن العلم وأخلاقياته

  3. سعيد الدغوغي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    حقا مولاي المصطفى أن القيم الثلاث: التعلم، الإتقان والأمانة قيم ساهمت في حفظ وصون العلم في الحضارة الإسلامية…
    أما السؤال الذي يروج له في الفكر الإسلامي والموسوم بالقولة المشهورة: لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟ يحتاج لتوضيح؛ لأن المعايير التي يقاس بها التقدم هي معايير غير مضبوطة، فإذا كان الغرب يعتبر نفسه مرجعا للتقدم فهذا فقط على مستوى الزخرفة المادية فحسب أما على مستوى القيم الأخلاقية فيعيش قهقرى تعود على تقدمه المزعوم بالإبطال والهدم والزوال.
    وأما عن حال أمتنا مع العلم فأعتقد أننا نعيش أزمة فقدان الثقة بمقومات حضارتنا وعلومها، كما أن مفهوم العلم التبس على الطبقة المتعلمة بالأحرى العامة.
    ويرى الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه في كتابه مفهوم العالمية: "أن المخرج من الأزمة إنما هو تجديد إشاعة" العلم" نعم، العلم بمفهومه القرآني الشامل أي بما فيه من معنى تنزيل حقائقه في واقع الأمة بصورة منهجية وعمق تربوي هادف شيئا فشيئا وذلك هو العلم بمعنى الحكمة الذي ينير العقول ويحيي الله به القلوب ويجدد الناس به العهد مع الله". ولن يتحقق لهذه الأمة تقدما يذكر إلا إذا استطعنا أن نكون أطباء ومهندسين ومعلمين ربانيين يؤمنون بعلم الشهادة كما يؤمنون بعلم الغيب…

  4. مولاي المصطفى الهند

    وعليك سلام الله ورحمته وبركاته ياجميلة المغربية، وزادك المولى سبحانه علما ونورا.

    يصعب حصر الإجابة عن سؤال فلسفي كبير في كلمات معدودة..
    ولكن الذي أريد أن أشير إليه هو أن الحديث عن العلم في التصور الإسلامي ـ الذي أنتج حضارة إنسانية متميزة ـ يرتبط بالفعل الحضاري "إقرأ" الذي ينقسم إلى قسمين:
    إقرأ باسم ربك مصاحبة له حتى يحميك من التيه بشتى أنواعه؛
    واقرأ وربك الأكرم الذي سيعلمك ما لم تعلم وأنت بمعيته.
    وتمام الجمع بين قراءة المصاحبة وقراءة المعية هو العلم.
    قد يقال إن الحضارة الغربية لم تعول على ما سبق ذكره ووصلت إلى ما وصلت إليه من رقي وتقدم ..

    الرد على هذه الملاحظة أن غاية ما أنتجه الفكر الغربي هو المدنية، أما الحضارة فشيء آخر.
    والأدلة على هذا أكثر من أن تحصى، ويكفي اللبيب أن يمعن النظر فيما يجري في كوكبنا الأرضي الصغير ليقف على صدق هذا الادعاء..

    ولهذا وجب التذكير أن أمتنا في أمس الحاجة إلى تجديد النظر في هويتها العلمية لتحافظ على تميزها الحضاري.
    وشكر الله لك ملاحظتك وتأملك يا جميلة.

  5. محمد لحمادي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبينا المصطفى وآله وصحبه أجمعين ومن والاهم إلى يوم الدين.
    أما بعد:

    فالشكر الجزيل لأستاذنا الفاضل الذي أجاد وأفاد.

    أما فيما يخص السائل عن العلم ففي اللغة: العين واللام والميم أصل صحيح واحد، يدل على أثر بالشيء يتميز به عن غيره [ مقايس اللغة لابن فارس، مادة ع ل م]، ومن صفات الله عز وجل العليمُ والعالم والعلاَّمُ، قال الله عز وجل: ﴿وهو الخلاَّقُ العليمُ ﴾ [ سورة الحجر، الآية: 86] وقال:﴿عالم الغيب والشهادة﴾[ سورة الأنعام، الآية:73] وقال: ﴿علاَّمُ الغيوب﴾ [ سورة المائدة، الآية: 109] فهو الله العالمُ بما كان وما يكون قبل كونهِ، وبما يكون ولمَّا يكُن بعْدُ قبلَ أن يكون، وهو نقيض الجهل، علمَ علما وعلُمَ هو نفْسُه، ورجلٌ عالمٌ وعليم من قوم علماء فيهما جميعا [انظر لسان العرب لابن منظور، مادة ع ل م].
    وقال الراغبُ:" العلمُ: إدراك الشيء بحقيقته، وذلك ضربان: إدراكُ ذاتِ الشَّيءِ، والثاني: الحُكْمُ على الشيء بوجودِ شيءٍ هو موجودٌ لهُ، أم نفيُ شَيْءٍ هو منفيّ عنه …." [ المفردات في غريب القرآن، ج 1/ص580].
    وقال المُناوِي في التوقيفِ: العلم هو الإعتقادُ الجازم الثابت المطابق للواقع، أو هو صفةٌ توجب تمييزا لا يحتملُ النَّقيض …
    ويطلق العلم في لسان الشرع العام: على معرفة الله تعالى وآياته، وأفعاله في عباده وخلقه.
    والمتكلمون يريدون به حصول الصورة في العقل، أما المتكلمون فيعرفونه: بأنه صفة يتجلى بها الأمر لمن قامت به.
    والماديون يرون أن العلم ليس إلا في خصوص اليقينيات التي تستند إلى الحس وحده، [ للتوسع ينظر مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، ج 1/ص9] .
    وأختم كلامي بكلام الشاطبي رحمة الله عليه في الموافقات ما نصه بالمقدمة السابعة :" كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون من حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى.
    وفي موضع آخر من المقدمة الثامنة يقسم الشاطبي أصناف طلب العلم وتحصيله إلى ثلاث مراتب:
    الأولى الطالبون له ولمّا يحصلوا على كماله بعد؛
    والثانية: الواقفون منه على براهينه؛
    والثالثة: الذين صار لهم العلم وصفا من الأوصاف الثابتة.[ ينظر الموافقات للشاطبي، المجلد الأول/ ص 73 وص 89 ].
    والسلام

  6. جميلة المغربية

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حياكم الله

    لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟

    "الجواب عنه هو أن الأمة فقدت العلم الذي هو مفتاح الولوج إلى عالم الشهادة على الناس، وفقدت معه قيمه المنبثقة منه.".
    عندي سؤال آخر فضيلة الأستاذ يحتاج لمثل هذا الجواب: ما هو العلم؟
    وسؤالي وإن كان مطروحا بصيغة "الماهو" إلا أن الجواب المرام ليس القصد الأساس منه أن يكون في "الماهية" ذلكم أني لم اجد صيغة استفهامية اخرى تقرب المرام والمقصود

    وشكر الله لكم

أرسل تعليق