Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

العلامة المختار السوسي من خلال دعوة الحق.. (1)

مقدمة

تعتبر مجلة “دعوة الحق” من المنابر العلمية التي نالت إعجاب واعتزاز الوزير والعلامة والمؤرخ والوطني الغيور محمد المختار السوسي طيب الله روحه، حيث كان من مؤسسيها والمساهمين المداومين فيها كتابة ومدارسة وفي مختلف الفنون والعلوم. كما كانت هذه المجلة قيد حياته -وبعد التحاقه بالرفيق الأعلى- ساحة لتبادل الرأي ولتقديم شهادات في حق المحتفى به. كل هذا يساعدنا على دراسة شخصية العلامة من كل جوانبها المشرقة سواء السياسية أو الدينية أو الفكرية أو الاجتماعية أو الأدبية أو العلمية أو التربوية، بل وربما يجعلنا نكتشف بعض المعطيات الغميسة للعلامة والتي لم ترد في مؤلفاته الغزيرة وفي ترجماته المعروفة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر مقالاته الاستشرافية والمستقبلية لما يجب القيام به للنهوض ببلادنا إلى مصاف الدول المتقدمة. وارتبطت حياة العلامة الراحل محمد المختار السوسي بمفاهيم جيل لعب دورا بارزا في تاريخ بلادنا الحديث. وهو جيل رواد الحركة الوطنية والمدرسة السلفية. وقد كانت حركة ناشطة في مجالات شتى، إذ مزجت الوطنية بالدين وبالثقافة الإسلامية، وتأثرت بأصداء حركات الإصلاح التي كان يدعو إليها كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده بالمشرق.

ويحاول هذا العرض تقديم قيمة مضافة من خلال توثيق كل ما كتبه المرحوم محمد المختار السوسي على أعمدة “دعوة الحق” وأيضا ما كُتب عنه بها، وبالتالي إبراز المنجزات المضيئة لهذه الشخصية الفذة التي افتقدها وطننا الحبيب.

المختار السوسي، الروائي المرتبط بقضايا أمته

لم يترك العلامة المختار السوسي فنا من فنون الأدب إلا وطرقه وقدم فيه الكثير من العطاء، ففي فن القصة الروائية نجده يكتب روايته الشيقة والهادفة “بين الجمود والجحود[1] والتي صدرت بمجلة دعوة الحق في تسع حلقات متتالية ما بين سنتي 1957 و1959. قد يقول البعض أن عنوان هذه القصة مستوحاة أو تمثل ردة فعل لمقال صدر للفقيد محمد الفاسي في العدد الأول من دعوة الحق بعنوان “لا جمود ولا جحود”، غير أن الصحيح هو أن هذه القصة كانت تحمل في أصلها اسم “بين الجمود والميع”. والهدف من هذه القصة هو محاربة الجمود القاتل والتقليد الأعمى من جهة ومن جهة أخرى مقاومة الجحود بإنكار الدين والفضيلة والقيم العليا والتنكر لها والإعراض عنها، مما يؤدي إلى الميع والانحلال وفساد الأخلاق. ففي هذه الرواية، حاول العلامة أن يعطينا صورة واقعية عن مآل شباب عصره من خلال أربعة إخوة يقوم هو بدور الراوي والمحاور لهم: فالأخ الأكبر المكنى بالعربي يمثل النموذج المتعلق بالدين في جانبه الصوفي، أما الأخ الأصغر المسمى بحماد فقد استهوته الثقافة الغربية وأضحى متفرنجا، بينما غرق الأخ سعيد في أتون المخدرات والغلواء.

هؤلاء الإخوان الثلاثة انقطعت صلة الرحم بينهم، وما كان سبب هذه التنافر الشديد إلا تربية السيد العربي لحماد في طفولته، فكان يحاول أن يسلك به في طريقته، ولكنه بعد أن أثرت فيه البيئة الغربية تأثيرها، ومالت به التعاليم التي تلقاها ميلا آخر، صار يواجه أخاه الكبير من غير حياء بكل ما يكره، وربما سب دينه سبا يكاد به السيد العربي يخرج من جلده حنقا وغيظا، وهو معذور إن غضب لدينه ولقوميته.

هكذا اتسعت الشقة بينهما، ثم لما عثر الزمان بحماد تلك العثرة المتقدمة، يوم فجعه في قرينته الفرنجية، لم يجد بدا من العودة إلى الإسلام من جديد. أما الأخ سعيد فما أكثر أمثاله من الأهالي لا يضبطون مواعدهم، ويتعاطى للأفيون، لكن بالنصيحة والاستعانة بالصبر والصلاة وبمعاشرة الصادقين، تغير سعيد، وصار يعلن في كل فرصة ابتهاجه بتوبته.

فالحق كل الحق أن العقل له حد محدود تنتهي إليه مداركه، وأن الله الذي أوجد هذا العالم لا يمكن إدراكه البتة، فكما استعصى على الحواس استعصى أيضا على العقول، ولاشك أن الفلاسفة سلكوا هذه المحجة البيضاء حتى استنتجوا ما أعلنوه في بنود ديانتهم التي اعتنقوها، فحكموا بأن هناك حياة أخرى تؤدي كل وعود هذه الحياة، وتكافئ المظالم بالجزاء الأوفى.

وختم الأديب الكبير محمد المختار السوسي هذه الرواية الرائعة على شكل مؤتمر ترأسه بنفسه وبحضور الإخوة الثلاثة، ومما جاء في كلمته الافتتاحية: “الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، ووضع في صدره نورا يعرف به النهار المشمس من الليل البهيم، وهداه إلى سواء السبيل، بعقل وضعه بين جنبيه، وجعل له السمع والأبصار والأفئدة يدرك بها ما خلفه وما بين يديه، وخلق من بني آدم الرجال العظام من جبلهم على إرشاد الحيارى، واستصحاء السكارى، حتى يعرف المتطلب للحق، أن كان عند المسلمين أو اليهود أو النصارى. أما بعد فإننا اجتمعنا في هذا المجلس لنبحث في حقيقة واحدة هي موضوع اجتماعنا لا غير، ألا وهي الإسلام، ننظر فيه هل هو دين الحق؟ وهل يليق بالمتمدنين اليوم؟ وهل هو دين الرقي؟ وهل يتسع صدره للمدنية التي تبهر اليوم الأبصار؟ أم هو غير ذلك كله فينبذ...”[2].

يتبع في العدد المقبل..

——————————

1. دعوة الحق. العدد 4-5 السنة الأولى 1957- ص: 12-13 ثم ص: 25، العدد 6 السنة الأولى 1957 -ص: 10-13، العدد 7 السنة الأولى 1957- ص: 12-14، العدد 8 السنة الأولى 1957 ص: 5-7، العدد 9 السنة الأولى 1957، ص: 10-14، العدد 10 السنة الأولى 1957- ص: 9-14، العدد 11 السنة الأولى 1957، ص: 1-7، العدد 2 السنة الثانية 1958 -ص: 15-23، والعدد 1 السنة الثالثة 1959، ص: 10-11.

2. دعوة الحق، العدد 1 السنة الثالثة 1959، ص: 10-11.

أرسل تعليق