Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

العيد الأكبر

لقد ثبت في التاريخ القديم والحديث أن لكل أمة عيدا أو أعيادا تُمجدها، وتتذكر كل سنة أيام وقائعها المجيدة وحوادثها ذات الآثار الجليلة، من ضعف إلى قوة، ومن ظلمات الجهالة إلى نور العلم واليقين، ومن تأخر في مناحي حياتها إلى تقدم وازدهار، وفي الذكرى تنوير للعقول والأفهام، وبعث للهمم، وازدياد في الحركة والنشاط في جميع مجالات الحياة.

وكان للأمم السالفة أعياد للهو والمرح واللعب والفجور يستبيحون فيها كل محضور مما لا يقبله عقل ولا يوافق أبسط معاني الإنسانية، فلما جاء الإسلام برسالته العامة، ودعوته الحقة، ومبادئه الإنسانية وقرر حقوق الإنسان قضى على كل العادات الضالة التي كانت تتبناها تلك الأمم، وانتشر الدين الحنيف وتغلغل في النفوس ورفرف علم الإسلام في كل مكان.

وأصبح للمسلمين عيدان عظيمان في تاريخهم العظيم تمجيدا واحتفاء بذكرى بطولة المسلمين وانتصاراتهم بقيادة الرسول الأكرم محمد بن عبد الله الأمي العربي نبي الإنسانية وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم وصدق وعد الله سبحانه وتعالى: “هُوَ الَذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً” [الفتح، 28].

وفي مشروعية العيدين ورد في الحديث النبوي الشريف عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: “قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: “مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ”[1]. وبذلك وحد بين أعياد المسلمين وبين أعياد العرب وقضى على العادات الباطلة والتقاليد الفاسدة.

ويوم الفطر من الفطرة أي الخلقة دلالة على أن الإسلام دين الخليفة، وسط بين المادية والروحية، “فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ” [الروم، 29].

ويوم الأضحى سمي بالعيد الكبير لأمور جليلة الأثر، عظيمة الخطر، كثيرة النعم، كبيرة البر والإحسان، جمة الخير والنماء والبركات للإنسانية جمعاء، وهي كمال الدين وتمامه وتقريرا لقواعد الأحكام وإقرار للنظم والمبادئ الإنسانية، وفي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا في بعرفات في السنة العاشرة من الهجرة نزل عليه جبريل الأمين بأخر آية من القرآن الكريم وهي قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلامَ دِينًا” [المائدة، 4].

وفي بطن الوادي من عرفات خطب الرسول صلى الله عليه وسلم خطبته المشهورة وهي ما تسمى بـ “خطبة الوداع”، وأهم ما اشتملت عليه قوله صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ مَالُ أَخِيهِ إِلَّا مِنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا. (وفي روايةٍ لَمْ تَضِلُّوا) كِتَابَ اللهِ. (وفي روايةٍ: وسُنَّةَ نبيِّه، وفي روايةٍ: وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ!

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ وَلَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ.. !”[2].

—————————————-

1. سنن أبي داود، كِتَاب الصَّلَاةِ، بَاب صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، رقم الحديث: 961.

2. صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي، ح: 1218، وسنن الترمذي، ح: 3087، وسنن الدارمي، ج:2، ص: 67، ح: 1850.

 

 

 

ميثاق الرابطة، العدد: 820، الخميس 11 ذو الحجة 1418هـ، الموافق لـ 9 ابريل 1998م، السنة الثلاثون.

أرسل تعليق