Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

العقل كالحقل.. أفكار وأثمار

في هذه الحياة أينما كنا ومهما فعلنا، لا يمكن لنا تجنب التحديات المختلفة، والتكيف مع روح الجماعة، وأن لا يفقد بعضنا بعضا في زحام الحياة، ولا مجال للحياة في معتزل، نحن في عصر الفريق المتكامل، والفرق المتعاونة لاسيما بعد أن تيسرت سبل الاتصال والتواصل واللقاء، وحتى ممارسة الزهد أصبحت غير ممكنة، وإن التحديات التي تقابلها المجتمعات في نموها تفرض علينا أن نوجه طاقة شبابنا إلى التعاون، لتحقيق صورة أفضل والتغلب على عوائق التخلف وعقباته.

والتعاون هو السبيل الذي يختصر الطريق، وبالصبر الطويل على العمل والتواصل مع الأجيال يقترب الجميع من الهدف البعيد، والعالم في عصرنا هذا يتخبط، وقد طوقته فتن كأنها قطع الليل المظلم، إن الحياة تبدو قد انشطرت بفجوة سحيقة باعدت بين المهرة وعديمي المهارة، وسيئي الحظ والمحظوظين، فتفاقمت ظاهرة العنف والإجرام، ترى كيف ستكون صورة المستقبل، هل تصبح الحياة آلة صماء بلا إحساس ولا رحمة، فالمشكلة الإنسانية كبرى، ومحاولة علاجها فاقم بين المعالجين فيما بينهم في تشخيص الداء وفي وصف الدواء، لكن الأبصار كلها الآن تتجه إلى الشباب الذين اصطفوا أمام مأساة الإنسانية، حاملين شعلة أنبل وأعظم رسالة، وهم يدخلون التاريخ لمواكبة التطور الإنساني، واعتماد الوسائل الجديدة وآليات تساعد على التطور.

العقل كالحقل.. أفكار وأثمار

وأساس النجاح استقطاب صفوة من الشباب في مجالات المعرفة ليكونوا النموذج الملائم لاستكناه واستكشاف أسرار الكون بالتعاون المثمر، ولتوثيق الروابط في رحلة سريعة مع ضفاف المحيطات والبحار الإنسانية كجزء لا يتجزأ من التواصل والتعارف الإنساني والإفادة من أسرار الطبيعة والاستلقاء في أحضانها بحثا وتنقيبا وإبداعا، وتطويعها لإرادة الإنسان وسعادته، وكل فرد في هذا الوجود مدعو إلى تأكيد وجوده لاحترام إنسانية الإنسان وإلا وجد نفسه خارج الزمن، والأمة التي تملك روحها الداخلية ومعدنها البشري الصلب، بمقدورها إحياء وإعاشة وتطوير مجتمع عصري تحركه إرادة عنيدة نحو التقدم، ويمتلكه حب لكل ما هو جديد، مع الانضباط المدهش بما يتعدى المزايا والنقائص.

ومع كثرة المنعطفات الخطيرة التي وقفت عندها الأمة في عصرنا الحديث، فإن المنعطف الحاضر هو أخطرها من غير شك، ذلك أن التخلف سيف في الصدور وجدار في الظهر، وإن شئت فقل هو سهم مسموم بأوجاع أمة مهزومة، تبكي على طلل عاوية كالذئب الجريح لا تكاد تعرفه، ولكل فرد من أبنائها مسار معاكس وسط ظلام الانحراف، وإن المرحلة الدقيقة الحرجة التي تجتازها أمتنا اليوم تحتاج إلى أن نعطي لها كل طاقتنا، من وعي الذات والنضال عن وجودنا الحر والطموح إلى حياة أعز وأفضل.. ولكن كيف؟ فالإنسان عندنا بضاعة رخيصة، وإن في الوجود عجائب وغرائب لا تعد ولا تحصى، ولعل أغرب هذه الغرائب وأعجب هذه العجائب، تلك الأحقاد والأطماع والإنكار والإعراض لإنسانية الإنسان، ككرة الثلج المتدحرجة من القطب إلى القطب مرورا بالأمة وقلبها المحروق الملتهب، إنها مأساة صامتة تخاطب الوجدان وتحس بالبصائر قبل أن تستوعبها الأبصار، ووصمة عار بين الافتعال والانفعال.

ويخطئ من يظن أن التنكر للوفاء والحنان تقدم لحضارة لا روح فيها، لكن الإيمان بإنسانية الإنسان هو الذي يعطينا ذلك النبض الحي الذي نثير به دهشة العالم وإعجابه، وهو طريقنا الواضح إذا أرادت الأمة أن تجد الطريق الصحيح، وبين البدء والمنتهى تتشكل وتتنامى أبعاد عالم متأهب لفهم أسرار الحياة، وإيقاعها بمعناها الأشمل في دورة لا تتوقف، معربدة هادرة ومزمجرة كأنها تنفلت من أسرها الطويل، تؤذن بقيام حياة جديدة بكاملها، أو كأنها نهر يصب في قلب الجفاف والصحراء التي يتماوج فيها السراب البقيع.

مشاغل الحياة الإنسانية تعتبر في نظر العقلاء والحكماء الجفاف الصرمدي، فيها تتولد أساطير جديدة، وسيناريوهات الحياة الجديدة تولد في القفر اليباب، حية تزداد جمالا مع الأيام ولا تموت، فينتقل الناس من خيبة الأمل إلى الأحلام العظيمة الأمر الذي يبشر بالخير، ووضع الجهود المبذولة في المكان المجدي من قضايا الناس، مما يتيح الفرصة للاستفادة من جميع الأجناس، ولعلها تكون أفضل في المستقبل إن شاء الله خطوة على الطريق الصحيح لإبصار الأخطاء وتصحيحها وتسديدها، نحو الدين الذي لا غنى عنه للإنسان كالماء للزرع والروح للجسد الحي، إذ كل ما أمعن الإنسان في سلم الحضارة وتعقدت حياته ومشكلاته، وتشابكت مصالحه وتصادمت مع مصالح الآخرين، كانت حاجته إلى الدين ألزم وآكد.

وإحساسنا بالحياة يحملنا المسؤولية والأمانة مما يقود إلى الصدق مع النفس والآخرين، وهذا قمين به أن يهيئ النفوس للمسلك النظيف للتجرد من الأهواء واستشعار أبعاد التوجيه الإلهي، وليس بعد الحق إلا الضلال، وليس بعد الحقيقة إلا الخداع، وبمقدورك أن تخدع بعض الناس كل الوقت، وقد تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، وإني لأطمع أن يكون فيما دبجته خطوة على الطريق الصحيح، باتجاه مستقبل تجد الأمة فيه مكانا عليا، بين المتقدمين في هذا العصر الذي هو عصر الحياة بلا منازع.

وحين تطرح مسألة الإصلاح يجب أن تكون التزاما موضوعيا بسنن الكون، ومتابعة واعية لقوانين الله المبثوثة في الكون الذي يستقى منها بشائر الإيمان والفلاح لإصلاح واقع العباد والبلاد، والنهوض بمشروع بناء الإنسان الكامل، وتجاوز عقبات لصالح هذا البناء، ذلك لأن هموم الأمس ليست هموم اليوم، وأجيال اليوم غير أجيال المستقبل مع العمل على القضاء على كل خلاف وتشكيك حول الإنسان وأخيه الإنسان، لتبرز إلى الوجود الصفات الجليلة نبلا ونخوة وشهامة، وربيع الأعمار مصدر للحب وأوان قطف الثمار، به ينضج الإنسان حاملا المعاني الكثيرة، مفهومة وغير مفهومة، والعقل كالحقل كله أفكار وأثمار، والشباب يحني رأسه احتراما ويعلن خشوعا، وما لغير الله يكون لمخلوق في الأرض ولا في السماء احترام، وما لغير الله يكون من ركوع وسجود وخشوع في الأرض ولا في السماء.

والإنسانية في مرحلة انتقال، وحياتنا تجتاز نفس المرحلة، وكذلك تفعل أفكارنا وثقافاتنا، وحتى أخلاقنا كلها تجتاز الآن مرحلة الانتقال بين ماضينا المستمد من الشرق، أما الحاضر والمستقبل فمستمدان من الشرق والغرب معا، وليس من شك أن عملية الامتزاج إذا لم تتم فإنما البشرية تهدم نفسها من حيث لا تشعر أو تشعر، وشبابنا إن رعيناه مضى في الوجود يخط مصيره حرا، وإنا لنرجو أن يستحيل حلم اليوم إلى حقيقة، وفي تحقيقه خير البشرية أجمعين.

إن الواقع الذي تعيشه الإنسانية، واقع رهيب على المستويات كلها، وهذا يستدعي من شبابنا أن يعي هذا الواقع المتردي؛ لأن المعركة معه طويلة الأمد، وكما أن الفساد والانحراف يبدأ كلا منهما صغيرا  ثم ينمو ويكبر فكذلك الخير والهدى والصلاح يبدأ كلا منهما صغيرا ثم ينمو ويكبر، وإن الله سبحانه لم يكد يخلق إنسانا إلا وبه شئ يحمد، فلنستخرج ذلك الشئ الحسن ولا مقارنة قط بين شاب وشاب من حيث الذكاء، ومن حيث الجمال والإنجاز والعمل والقدرة والتحمل؛ لأن الشاب النامي يحس بمصاعب الحياة، لكنه بعد التمرس مع الآخرين ينسى مصاعب الحياة، والعقل إذا تعب يجد إلى جانبه عقلا آخر يسعفه، وفرامل إذا اندفع تكبحه، وقوة دافعة إذا أصيب بالكسل والخمول أن ترسله.

وليس من المعقول ولا من المقبول أن نترك الشباب يحارب الوضع المتأزم ثم نشغله بسفاسف وتفاهات الأمور لا معاليها، ليصبح عزيمة خائرة مشتتا في أودية التيه والضلال، وكلمة أخيرة لهؤلاء الذين يبيعون شباب الأمة بثمن رخص لتزييف الحقائق والسير في ركب النفاق، والتاريخ من ورائهم سجل العبر، وهو الواعظ الصامت للبشر، وصروف الدهر تنزل بالناس، وأعباء الدنيا ثقال، ينوء بها كاهل الإنسان، والمرء وحده فلابد له من بني جنسه يشدون أزره في الملمات والشدائد، والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والناس كعيون الشبكة لا تقوم عين منها إلا آخذة بأختها معتمدة عليها، والتواصل دعوة نورانية سقطت من قاموس المنعزلين في سفرهم الجزع اللاهث هربا من بني جنسهم طلبا للعزلة يحتمون بها من الآخرين، فيحكمون بناء الخنادق من حولهم يجوسون في خرائب العزلة، ويوم يستيقظ ضمير الإنسان يقول: لا تنغلقوا بداخلكم جربوا أنحاء الدنيا.

وبالله التوفيق وهو المستعان.

أرسل تعليق