الدعاء وسكون النفس
يقول مولانا عز وجل في محكم كتابه العزيز: “خذ من اَموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم” [التوبة، 104].
يرتبط المقام الذي سيقت في إطاره الآية الكريمة بطلب فريق من الناس لئن اقترفوا كثيرا من المخالفات.. ومن ثم رغبوا في التوبة إلى الله فاعترفوا بذنوبهم. وهو ما ينص عليه قوله تعالى: “وءَاخرون اَعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وءَاخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم” [التوبة، 103]، وقوله تعالى أيضا: “اَلَم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم” [التوبة، 105]. وفي هذا السياق يروى عن ابن عباس أن البعض جاء فقال: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها علينا واستغفر لنا، فقال: هذا ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فأنزل الله: “خذ من اَموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم“[1].
يتبين من الآية أمران:
أولهما أمر إلهي للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولكل من ينوب عنه بأخذ الصدقة؛ لأنها تطهر المتصدق وتزكيه. فهذا أمر إلهي مقترن بالتخلية وبالتحلية. والتخلية أي التخلي عن السيئات بالتطهر منها لقوله: “تطهرهم”، والتحلية أي التحلي بالفضائل لقوله: “وتزكيهم بها“.
والثاني أمر إلهي للآخذ بالدعاء للمتصدق؛ لأن في أدعيته سكينة للمتصدق. إن في الصلاة على المتصدق، أي في الدعاء له بالمغفرة سكينة، أي طمأنينة بأن الله تعالى قد عفا عنه ورحمه وقبل توبته ورفع منزلته، فنقلها من مراتب الكفر والشرك والنفاق إلى مراتب الإيمان. يروى أنه صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية إذا جاءه متصدق يقول: “اللهم صل على آل فلان. والصلاة من الله رحمة، ومن النبي صلى الله عليه و سلم دعاء[2].
والحق أن الدعاء إلى الله تعالى والتضرع إليه يولد السكن بفتحتين، أي سكون النفس وسلامتها من الخوف الذي يوجب كثرة الحذر واضطراب النظر فيكسب المرء نوعا من الاطمئنان النفساني. ولهذا ذيلت الآية بتذيل مناسب للأمر بالدعاء لقوله تعالى: “والله سميع عليم“. قال الإمام بن عاشور رحمه الله: “المراد بالسميع المجيب للدعاء. وذكره للإشارة إلى قبول دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. ففيه إيماء إلى التنويه بدعائه. وذكر العليم إيماء إلى أنه صلى الله عليه وسلم ما أمره بالدعاء لهم إلا لأن في دعائه صلى الله عليه وسلم لهم خيرا عظيما وصلاحا في الأمور“[3].
——————————
1. تفسير الطبري، ج: 11، ص: 16.
2. روي أن الشافعي رحمه كان يقول: “أحب أن يقول الوالي عند أخذ الصدقة: أجرك الله فيما أعطيت، وجعله طهورا، وبارك لك فيما أبقيت“. الزمخشري، الكشاف، ج: 2، ص: 293. وينظر أيضا السيوطي، الدر المنثور، ج: 1، ص: 480.
3. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 11، ص: 23.
أرسل تعليق