Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

هوادي التعرّف (39)

التصوف على “طريقة الجنيد السالك” حَسب ما سُطِّر في منظومة فقيه القرويين ابن عاشر، ووِفق ما تَوارث في الأمة، يتقعّد على ثمانية شروط ومبادئ:

المبدأ السادس في طريق التصوف: الإكثار من الذكر (2): وذِكرُ الله هو الأمر الأكبر والأعظم الذي من أجله شُرِعت العبادات.

فأكبر شيء في الصلاة أن تَذْكُره قال تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي” [طه، 13]،ثم أَمَر بالذكر بعد الفراغ من الصلوات؛ فقال سبحانه‏:‏ ‏”فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ‏” [النساء، 102]، وقال سبحانه‏:فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الاَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [الجمعة، 10]؛

وأمر الله بذكره بعد إكمال صيام رمضان، فقال سبحانه‏:‏ “‏وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ” [البقرة، 184]؛

وأمر بذكره بعد قضاء مناسك الحج؛ فقال سبحانه‏:فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا[البقرة، 199].

قال ابن عباس: “لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال عذرٍ، غيرَ الذكر فإن الله لم يجعل له حدًا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلا مغلوبًا على عقله  فقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ” [النساء، 102]، أيْ: بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسرِّ والعلانية وعلى كل حال”[1].

والأمر لا يَنْصَبُّ على الذكر فحسب، بل على الإكثار منه، ذلك أن المنافقين يذكرون الله، لكنهم يذكرونه ذكراً قليلاً؛ قال سبحانه‏ في وصف حالهم:وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً” [النساء، 141].

ثُمّ بيّن الشرع الحكيم أنّ الذكر أعظمُ من كلِّ عبادةٍ سواه، ذكَرَ ذلك ابن عباس في أَحد قَوْلَيْه في تفسيره[2]، لقوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرْ” [العنكبوت، 45]، وقال ابن زيد وقتادة: “ولذكر الله أكبر من كل شيء، أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر”[3]، وقال ابن عطية: “وعندي أنّ المعنى: ولذكر الله أكبر على الإطلاق”[4].

ويُؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم:ألا أُنْبِئُكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذّهب والوَرِق (الفِضّة)، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله[5].

وتتّضح أهمية الذكر وأفضليته على سائر العبادات في ما أفصح عنه الرسول صلى الله عليه وسلم مِن أمور الغيب والجزاء في قوله: “ليس يَتَحسَّر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها”[6]، والتحسر في الجنة إنما يكون لهم حين يرون مقامات الذاكرين من فوقهم وتنكشف رُتبهُم ودرجاتهُم، فإذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب عباداتهم وأعمالهم.. لم يروا ثوابا أفضل من ذكر الله تعالى..

والعبادات لها حُكمها وعَدَدُها ووقتها، أمّا الذكر فهو مطلق ومُحرّر من القيود، وذلك يرجع إلى أهميته وضرورته، ولا يُعفى منه أحد عند الأعذار وبغير الأعذار.

————————————–

1. تفسير الطبري، دار ابن الجوزي، القاهرة، 2009م، “9/164”.

2. قال ابن عباس في قوله تعالى: “وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرْ”، لها وجهان: ذكر الله أكبر مما سواه، وذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه، “تفسير الطبري”.

3. تفسير القرطبي، مؤسسة الرسالة، ط 1، 2006م، ج: 16 ص: 370.

4. نفسه.

5. رواه الترمذي في السنن، كتاب الدعوات، دار الحديث، القاهرة، 2005م، ج: 5 ص: 289. رواه كذلك ابن ماجه في السنن “ح: 9730″، وأحمد في المسند، ح: 59112، والحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح.

6. تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، دار الحديث، القاهرة، 2001، “6/176”.

أرسل تعليق