Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

نظرات في التحدي التربوي.. (5)

قال الله تقدست أسماؤه: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ” [الاَعراف، 57].

تشير هذه الآية إلى قانون عظيم من قوانين التربية، وقاعدة من قواعدها الركينة؛ وهي أن كل الجهود المضنية التي تبذل في مجال تربية الإنسان عرضة لأن تذهب سدى وهباء حين تنعدم البيئة الصالحة، ويُفقَد المجتمع الصالح الذي يتكامل مع تربية البيت والمسجد والمدرسة وغيرها من المؤسسات التي تعنى بشؤون المبادئ والقيم. فمسألة البيئة والفضاء الاجتماعي العام، بقيمه ومفاهيمه ورموزه ووقائعه ومشاهده، من أخطر عوامل التربية، ومن الأركان الضرورية التي يقوم عليها البناء التربوي شئنا أم أبينا. ومن هنا ندرك إلحاح الإسلام وإصراره على بناء المجتمع وإقامة أسسه وتشييد مبانيه بموازاة عملية تزكية الأنفس وبناء كيان الإيمان، وذلك من خلال الأوامر الشرعية المؤكدة المتعلقة بالمصالح الجماعية العامة وفروض الكفاية؛ كالأمر بالهجرة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والاعتصام بالجماعة، والنصيحة، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وحسن الجوار.. فهذه كلها وسائل شرعها الإسلام لتعزيز القيم الجمعية الصالحة وتثبيتها في الواقع، وتنشئة شخصية الأفراد عليها حتى ينطبعوا بانطباعاتها في أفكارهم ومؤسساتهم وأحوالهم. فإقامة هذا المجتمع يعني إقامة البيئة الصالحة التي هي على كل حال ضرورة للتربية، وركن من أركانها، ومحك ميداني لكثير من مقولاتها وشعاراتها. فمهما كان الجهد الذي تبذله المؤسسة التربوية، فهو عرضة -كما قلت- لأن يذهب سدى وهباء حين تفقد البيئة الصالحة التي تتكامل مع برامجها وغاياتها وخططها، أو حين تتغلب الاستراتيجيات المضادة على استراتيجيتها.

وقد خلص المفكر الأستاذ عصمت سيف الدولة في بحث عميق عن أصول الشخصية والروافد الكبرى المؤثرة في تكوينها وتشكلها إلى أن المجتمع هو مصدر كثير من المعايير والضوابط التي تحدد لكل فرد اتجاهه وموقفه من العالم، “إنه -أي المجتمع- يدس بذورها في نفس الطفل وهو بعد كائن بيولوجي لم يمّيز حتى ذاته. ثم يتابع الطفل في نموه الفسيولوجي والعقلي داسّاً في تكوينه بذور ضوابطه بذرة بذرة، راعياً لها ومنميها.. كل هذا ومجتمعه الذي يدسّ في شخصيته بذور الضوابط الاجتماعية في أسرته كمصدر أول وأساس، حتى بعد أن يضاف إليها المدرسة ورفاق الفصول. المهم أن الشخصية من خلق المجتمع وليست موروثة بيولوجياً، وأنها تكتمل من خلال التفاعل مع الآخرين وهم أساساً أفراد الأسرة، وأن هذا الاكتمال يتم في سن السادسة عشرة أو نحو ذلك. لا خلاف على محصلة هذه الخلاصة، وإنما يختلف العلماء تبعاً لتركيز كل مدرسة منهم على أسلوب دس هذه الضوابط الاجتماعية في تكوين الشخصية..

يتبع في العدد المقبل إن شاء الله تعالى..

التعليقات

  1. صلاح الدين العسري

    التربية في رأي أفلاطون:
    يرى أفلاطون (427-343)ق.م أن الغرض من التربية ينبغي أن يتجه إلى إعداد المواطن الصالح، والمواطن الصالح في رأيه هو ذلك الشخص الذي اتزنت قدراته، ولم بفضائل الأخلاق و أصبح معتدلا وشجاعا وعادلا، وهو يقسم المواطنين في جمهوريته إلى ثلاث فئات بحسب ما لدى كل منهم من استعدادات فهناك طبقة الصناع وطبقة المحاربين و طبقة الفلاسفة، الأخيرون عليهم عبء توجيه الحكومة و من ثم وجب أن تكون تربيتهم هي أرقى أنواع التربية.
    التربية في رأي أرسطو:
    ويرى أرسطو أن المواطن الصالح المستنير هو الرجل الحر، ولكي يصبح الإنسان حرا لابد من توفر أمرين: أحدهما سياسي و الآخر اقتصادي، فمن الناحية السياسية يجب على الرجل أن يكون كفئا لحمل السلاح والتصويت وشغل الوظائف العامة، ومن الناحية الاقتصادية يجب على الرجل الحر ألا يقوم بالمهن الأخرى التي هي من خواص الرجل العامي فالتربية التي تناسب طبيعة الرجل الحر هي تلك التربية الحرة و الهدف المميز للتربية الحرة هو غرس العقل مادام الذكاء أو العقل هو المميز الذي يتميز به الإنسان عن الحيوان و نحن إذا منحنا الفرد تربية حرة؛ فإنه لايظفر بأحسن إعداد للمواطن المستنير فقط ، ولكنه سوف يحقق أسمى هدف في الحياة وهو السعادة.
    جون لوك (1632-1704):
    صرح جون لوك بأن وظيفة التربية:"ليست المساعدة للصغار على حذق أحد العلوم ، ولكن وظيفتها الرئيسية هي تفتيح عقولهم للمعرفة إذا ما سنحت الفرصة لذلك."

  2. عبد العزيز

    إن التربية بمفهومها الشامل تعنى بتربية الإنسان تربية متكاملة في أخلاقه وجسمه وسلوكه وروحه وضميره، والأسرة هي المؤسسة الأولى الاجتماعية والتربوية التي تستقبل الطفل وتحتضنه وتعمل على تنشئته ونموه، ولكل من الأب والأم دوره الذي يؤديه في هذه الحياة، وكلما نال كل منهما نصيبه الذي يؤهله للقيام بهذا الواجب تحققت لهما الحياة الهانئة السعيدة.
    جزاكم الله خيرا فضيلة الدكتور على هذا المقال الرائع

  3. عبد العزيز

    إن التربية بمفهومها الشامل تعنى بتربية الإنسان تربية متكاملة في أخلاقه وجسمه وسلوكه وروحه وضميره، والأسرة هي المؤسسة الأولى الاجتماعية والتربوية التي تستقبل الطفل وتحتضنه وتعمل على تنشئته ونموه، ولكل من الأب والأم دوره الذي يؤديه في هذه الحياة، وكلما نال كل منهما نصيبه الذي يؤهله للقيام بهذا الواجب تحققت لهما الحياة الهانئة السعيدة.
    جزاكم الله خيرا فضيلة الدكتور على هذا المقال الرائع

أرسل تعليق