Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

مفهوم الرشد

ورد مصطلح الرشد في القرآن الكريم تسع عشرة مرة بالصيغ الموالية: الرُُّشْد- رَشَدا-الرَّشاد- يرشُدون- رشيد- مُرشد- الراشدون.

 والراء والشين والدال (رشد) في اللغة أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق[1] .
و “الرَشادُ: خلاف الغَيّ، وقد رَشَدَ يَرْشُدُ رُشْداً، ورَشِدَ بالكسر يَرْشَدُ رَشَداً لُغَةٌ فيه”[2].

ولقد ورد الرشد في مقابل الغي في موضعين من موارد المصطلح هما قوله عز وجل: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” [سورة البقرة، الآية: 245] وقوله: “وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا” [سورة الاَعراف: 145].

وبنفس الاستعمال ورد في قوله صلى الله عليه وسلم في إحدى خطبه: “مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [3].”

 و”الغَيُّ: الضلال والخيبة أيضاً. وقد غَوي بالفتح يَغْوي غَيًّا وغَوايَةً، فهو غاوٍ وغوٍ، وأغْواهُ غيره فهو غَوِيٌّ على فَعيلٍ” [4].

كما جاء الرشد مقابلا للشر في قوله سبحانه وتعالى: “وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الاَرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا” [سورة الجن، الآية:10]

وللضر في قوله عز وجل: “قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا” [سورة الجن، الآية: 21].

واعتبر القرآن الكريم الإيمان طريقا للرشد في آيات قرآنية منها قوله سبحانه: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ اَجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُوْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” [سورة البقرة، الآية: 185].

ومن خصائص مصطلح الرشد في القرآن الكريم ارتباطه بالقصص القرآني، حيث ورد في معظم موارده في سياق ذكر أخبار مؤمني الأمم السابقة كمؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف، ثم ورد في سياق ذكر الجن الذين آمنوا بالقرآن، ودعوتهم قومهم واصفين القرآن الكريم بقولهم: “إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا  يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فأَمنا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا”[ سورة الجن، الآية: 1-2].

كما ورد أيضا في سياق الحديث عن قصص كل من لوط وشعيب وموسى عليهم السلام مع أقوامهم.

ولقد ورد الرشد بوصفه أمرا محسوسا يمكن لمسه في تصرفات الراشد في قوله سبحانه وتعالى: “وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَاكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَاكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا” [سورة النساء، الآية: 5].

قال ابن عطية في معرض تفسيره للآية: “قال الحسن وقتادة: الرشد في العقل والدين، وقال ابن عباس: بل في العقل وتدبير المال لا غير، وهو قول ابن القاسم في مذهبنا، والرواية الأخرى: أنه في العقل والدين، مروية عن مالك “[5]. وقال الطبري بعد ذكر أقوال المفسرين في معنى الرشد في هذه الآية: “وأولى هذه الأقوال عندي بمعنى”الرشد” في هذا الموضع، العقل وإصلاح المال لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك، لم يكن ممن يستحق الحجرَ عليه في ماله، وحَوْزَ ما في يده عنه، وإن كان فاجرًا في دينه”[6] .

من هنا يكون للرشد معنى الصلاح في أمر الدين، وهو الأكثر، ومعنى الصلاح في أمر الدنيا أيضا، ومنه وصف الأمر بالرشد كما في قوله عز وجل: “وما أمرُ فرعَوْن برشيد” [سورة هود، الآية: 96]،

“وقال بعضهم: الرََّشَد أي بفتحتين… أخص من الرُّشْد؛ لأن الرشد بالضم يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد يقال في الأمور الأخروية لا غير”[7] .

والرشيد والراشد هو المستقيم على طريق الحق، قال الله تعالى: “وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الاَمر لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الاِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ” [ سورة الحجرات، الآية: 7].

—————

1. ابن فارس، مقاييس اللغة، رشد.

2.الجوهري، الصحاح، رشد.

3. مسند الإمام الشافعي، كتاب إيجاب الجمعة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، البيهقي،  معرفة السنن والآثار.

4. الجوهري.

5.المحرر الوجيز.

6.جامع البيان في تفسير القرآن.

7. نقل هذا القول الآلوسي في تفسيره روح المعاني.

التعليقات

  1. أحمد ديدي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    الرشد دعامة متينة تسمق فوقها الرجولة الكاملة، وهو مفخرة للإنسان المسلم الراشد، إذ هو السلاح الذي به ينتصر على دواعي الغي ونزواته وشهواته.
    وإن أسباب نجاح الإنسان الراشد تعود إلى ثلاثة عوامل:
    1. شخصية واثقة واعية بما تقول وتعمل.
    2. المحتوى الفكري الراشد في أفكاره واتجاهاته في الطريق الصاعد بطاعة الله، يعامل الناس بالصدق والأمانة والعدل.
    3. انطلاقة راشدة بخصال ذاتية تؤهله للإلزام والالتزام بما له وما عليه.
    وفي هذا الإطار، فالجودة وحدها تزكية كافية للراشد، والراشدون وهم قلة ما زالوا نبراسا للآخرين والراشد خادم لأمته وأكرم بها خدمة.
    والأستاذة الفاضلة كلثومة دخوش كانت منسجمة مع موضوعها الذي تناول مفهوم الرشد والغي من خلال آي القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية الشريفة، وهو سلاح بيد الغيارى من أمتنا لمواجهة مشكلات اليوم والغد، ليس بالموضوع الهين، وفي ضوء استقراء الواقع الاجتماعي والإنساني.
    والرشد فريد في حجمه زكي في أصله وفرعه، وطيب في ثمره، والغي مخيف مفزع في آثاره ونتائجه، والرشد فهم إنساني يرتفع بالعقل والوجدان معا، متوج بالهداية وإشاعة الحق والعدل، يحمل في طياته بوارق الأمل للدنيا كلها.
    والغي صفاقة في الوجه، يتجلى في الكبر والانغماس في الدنايا والصغائر، والدس والفتنة والنفاق والأنانية المقيتة.
    والرشد سجية زاهرة وأزهر ما فيها حلية النفس، شجاعة وشهامة ومروءة وإخلاص للحق ملء الفم، وإخلاص لله.
    والغي غرور كاذب وعنجهية باطلة، وتخلف روحي تسربله الرذيلة الفجة العفنة واللؤم.
    والرشد مشورة أهل الرأي لمصلحة ضابطة محفوظة برعاية أهل الحل والعقد لمقاومة الاستبداد والإفساد والراشدون يحيلون الفشل إلى نجاح.
    والغي عناد ومقاصد من الأغراض الدنيئة والأطماع وقطع للوشائج وضمير ميت.
    وكل هذه الإشارات تحمل المسلم الراشد العاقل على أن يستشعر أنه لن يفلت من حساب الأخلاق، أو الضمير، أو من حساب ربه تعالى لأن الغي لا يصدر إلا عن جاهل أو متجاهل، طعان في أعراض الناس، ونكار لحقوقهم.
    والختم هو أن الرشد مبادرة إيمانية وأوبة إلى الله، وعودة إلى حظيرة قدسه ورضاه، وصحو من غفلة مصداقا لقوله تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} [سورة الأعراف، الآية: ]201.
    والله الموفق وهو المستعان
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرسل تعليق