Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

مفاهيم ومصطلحات لها ارتباط بالمنهج المقاصدي

      لا شك في أن من أهمّ الطرق الموصلة إلى العلم “معرفة اصطلاحات أهله”[1]، وأن المصطلح هو “اللبنة الأولى من كل علم، بما هو مدار كل علم، به يبدأ وإليه ينتهي”[2]، بل إذا شئنا الحقيقة فإن “المصطلح هو العلم. ذلك قول يجري مجرى القاعدة في جميع العلوم، وللعلم الشرعي منها خصوص أيُّ خصوص، من حيث ينفرد فيه المصطلح بِمَيِّزَاتٍ تجعله أكثر اكتنازا بما هو تصورات وقضايا وإشكالات”[3].

      وإذا أردنا أن نحدّد للمقاصد مصطلحات ومفاهيم نجعل له بها حدا يتميز عن غيره ونستوعب ماهيته ونقف عند خصوصيته، فلا يمكننا أن نبتعد عن المصطلحات التالية في فهم واستيعاب المنظومة المقاصدية من خلالها، وهي: الفكر والعقل والنظر والاجتهاد والاستنباط والفقه… وما ينتمي إليها من مفاهيم أخرى، تخدم نفس المعنى.

      4-  مفهوم المقاصد

      المقاصد في اللغة: جمع مقصِد وهو اسم المكان من قصد يقصد قصدا فهو قاصد، وذاك مقصود، والقصد له معان عند اللغويين منها:

      أولا: القصد بمعنى استقامة الطريق. قال الله تعالى: “وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ” [سورة النحل، الآية: 9]. أي على الله عز وجل الطريق المستقيم، والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة.

      ثانيا: القصد بمعنى العدل. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا”[4]. وفي رواية أخرى بلفظ آخر قريب من هذا: “لَنْ يُنْجِيَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا”[5]. أي عليكم بالقصد من الأمور في القول والفعل، وهو الوسط بين الطرفين. وفي حديث آخر: “عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً”[6]. أي طريقا معتدلا.

      ثالثا: القصد بمعنى الاعتماد والأمر.

      رابعا: القصد بمعنى إتيان الشيء. تقول “قصدته، وقصدت له، وقصدت إليه بمعنى”[7]. وهو الغاية التي ترمي الشريعة الإسلامية إلى تحقيقها من جلب المصالح ودفع المفاسد.

      إلا أن تعريفات علماء الشريعة للمقاصد بالمفهوم الحدّي للتعريف لم تتسع سعتها كلما اتجهنا جهة مفهومه التطبيقي، وهو الأمر الذي يدل على أهمية الموضوعات التي تتناولها المقاصد، إذ تراهم يهتمون بالتعريف المصطلحي اهتمامهم بما يتضمنه من مصالح مستجلبة، ومفاسد مستدفعة، مما أثّر في تنوع عبارات التعريفات.

      نجد من هؤلاء من سار إلى القول بأن “المقاصد هي حصول المصالح أو درء المفاسد لمناسبة الأحكام لتلك المقاصد الشرعية”[8]، باعتبارها معاني متضمنة لكل ما يصلح الخلق في العاجل والآجل، وما يدفع عنهم المضار فيهما، وبذلك تكون المقاصد هي الغاية من الشريعة، والأسرار التي وضعها الشارع في كل حكم من أحكامها”[9].

      ذلك أن الشريعة أحكام تنطوي على مقاصد، ومقاصد تنطوي على أحكام، وفيها أحكام نصا واستنباطا، لكل ما يمكن أن يقع من حوادث ونوازل بمقتضى صلاحيتها لكل زمان ومكان.

      وبالنظر إلى وضع المكلف حين التكليف، فلا قيام في صلاة مثلا على من عجز عنه، ولا زكاة على من لا يملك النصاب، ولا حج على فاقد الاستطاعة في المال والقوة والخلافة على أهله، ولا حرج على من أكل مالا حراما لا يعلم مصدره، بعد التثبت والتحري واتقاء الشبهات.

      من أجل ذلك يستقر في الأذهان أن المقاصد عبارة عن جملة المصالح والمفاسد التي تنطوي عليها المعاني الشرعية، لجلب المصالح ودفع المفاسد، وهي واحدة من أسرار التكاليف التي تتحرى مقاصد الشريعة الغراء.

      ولنا أن نطرح جملة من الأسئلة:

      هل مصطلح المقاصد يراد به الغرض الأساس من التشريع في الإسلام؟

      أم الأركان الخمسة الضرورية للحياة؟

      أم الحفظ لهذه الأركان؟

      أم تحصيل المصالح ودرء المفاسد؟

      أم أسرار التكليف ومصالح الأنام، التي لا تعني شيئا خارجا عن جلب النفع للخلق ودفع الضرر عنهم؟

      أم تلك المعاني التي تحملها هذه الألفاظ المختلفة المباني؟

      فكل غرض أساس ركن، وكل ركن واجب الحفظ، والحفظ في الشرع لا يكون إلا لمصلحة إما بالتحصيل وإما بالإبقاء.

      وهذا المنحى من المفهوم التطبيقي هو ما يؤسسه جيل التصنيف في المقاصد، عناية وتدوينا في مرحلة ما بين القرن الخامس الهجري مع إمام الحرمين (تـ478هـ)، والقرن الثامن الهجري مع الشاطبي (تـ 790هـ)، باعتباره مؤصل المقاصد بوصفها علما قائم الذات، مرورا بالغزالي (تـ505هـ) فابن عبد السلام (تـ660هـ) ثم ابن تيمية (تـ728هـ) وتلميذه ابن قيم الجوزية (تـ751هـ)، بالنظر إلى ما استقرؤوا واستنطقوا من النصوص الشرعية وألفاظها، قاصدين إلى المعاني النافعة في العاجلة والآجلة، جلبا للمصلحة، ودرءا للمفسدة “والمراد بالمعنى ما يتعلق بدلالة النص على العلل والأسباب، ومقاصد المتكلم، والأشباه والنظائر، ووجوه المصالح في الطاعات، والمفاسد في المخالفات”[10].

      ويمكن القول؛ إن الظاهر يتعلق بالمعرفة اللغوية للنص، والمعنى يتعلق بالمعرفة المقصِدية من النص باستجلاء علته وسببه، والحكمة المقصودة منه، وهذا ما بينه الشاطبي أحسن بيان بقوله: “فالمراد بالظاهر هو المفهوم العربي، والباطن هو مراد الله تعالى من كلامه وخطابه”[11].

      ويؤكد ابن العربي (تـ543هـ) قبل الشاطبي على هذا الأصل فيقول: “ولا تتعلق الأحكام بالألفاظ إلا أن ترد على موضوعاتها الأصلية في مقاصدها المطلوبة؛ فإن ظهرت في غير مقصدها لم تعلق عليها مقاصدها. ألا ترى أن البيع والشراء معلوم اللفظ والمعنى، وقد قال تعالى: “اِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُومِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ” [سورة التوبة، جزء من الآية: 111]”[12].

      فمتى ظهرت المقاصد أُخذ بها وبني عليها، ولا عبرة باللفظ، ومتى ثبت اللفظ، وتردد بين معنيين أو أكثر، حمل على المعنى الموافق للقصد.

      ومن أمثلة ابن العربي أنه وقف عند قوله تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ” [ سورة النساء، جزء من الآية 11]. وتساءل عن لفظ الأولاد، هل يدخل فيه أولاد الأولاد كأن يحبّس أحد على أحد أولاده، فهل ينتقل ذلك التحبيس إلى أولاد الأولاد؟ وكأن يجعل أحد شيئا من ماله صدقة على أولاده، هل تقتصر الصدقة على الأولاد، أم تشمل أولادهم؟

      وجوابه على هذا وذاك، يرجع إلى الجانب التطبيقي العملي للمقاصد. قال: “كلام الناس يرتبط بالأغراض والمقاصد، والمقصود من الحبس التعقيب، فدخل فيه ولد الولد، والمقصود من الصدقة التمليك، فدخل فيه الأدنى خاصة، ولم يدخل فيه مَن بعدُ إلا بدليل”[13].

والحمد لله رب العالمين

——————————–

  1.  الموافقات، الشاطبي، (م.س)، 1/97.

  2.  المصطلح الأصولي عند الشاطبي، فريد الأنصاري، معهد الدراسات المصطلحية والمعهد العلمي للفكر الإسلامي، ط:1. 1424هـ/2004م، ص،11.

  3.  المصطلح الأصولي عند الشاطبي، فريد الأنصاري، (م.س)، ص: 11، بتصرف.

  4.  البخاري، كتاب الرقائق، حديث رقم: 6463، ص.1298.

  5.  تخريج السيوطي (ق) عن أبي هريرة، تحقيق الألباني (صحيح)، حديث رقم: 5229 في صحيح الجامع، السلسلة الصحيحة، برقم: 9360. 6/101.

  6.  رواه أحمد والبيهقي، والحاكم، وابن خزيمة، وغيرهم.

  7.  القاموس المحيط، الفيروز آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1979م مادة (قصد).

  8.  مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر بن عاشور، ص:17، ط.3، الشركة التونسية للنشر والتوزيع، تونس، 1988م.

  9.  مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، علال الفاسي، ص: 7، مكتبة الوحدة العربية، الدار البيضاء.

  10.  إعلام الموقعين. ابن القيم. 1/255. (م.س). والموافقات. الشاطبي. 3/348. (م.س).

  11.  الموافقات. الشاطبي. 3/286. (م.س).

  12.  أحكام القرآن. القاضي أبو بكر بن العربي. تـ. محمد عبد القادر عطا. 3/1500. ط.3. دار الكتب العلمية. بيروت. 1424هـ/2003م.

  13.  أحكام القرآن، أبو بكر بن العربي، 1/434، (م.س). وانظر: نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، أحمد الريسوني، ص:81-82، (م.س).

التعليقات

  1. ايوب

    سبحان الله

أرسل تعليق