Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

مشكلة الاتصال والانقطاع بين الشباب

مشكلة الاتصال والانقطاع بين الشباب

مشكلة قديمة جديدة، مثار اهتمام العالم، وكيف نتعامل مع الشباب، وما هو دوره الحضاري؟ حين يستيقظ الاهتمام به، ويدور الحديث عنه في المنتديات الإنسانية، ترتسم على الوجوه علامات استفهام كبيرة وكثيرة، مع الحنين الدافئ إلى مراتع الشباب، والحديث الشجي الشهي، وحدة الشباب الإنساني يمثلها ميراث أجيال لم تقتصر على بلد، بل امتدت إطلالتها فضمت شباب العالم على انفساح الرقعة وتعدد الأسماء، جمع بينها الفكر النابع من بصيرة الإنسان على الساحة الإنسانية الكبرى بما مفاده مشكلة الاتصال والانقطاع بين الشباب.

والنجوم الزاهرة لم تلبث أن طافت وطوفت بالشباب بكل أقطار الدنيا، تقول لكل الناس وجودكم ووجودنا النفيس إنه نحن الشباب، باني الحاضر وصانع الحضارة، ومضيف الجديد إلى التليد، شاهد بحضور بصمات الشباب في التجديد للحاضر والاستمداد منه حتى تتواصل الخطى على طريق يجتمع به الخالف بالسالف، وحدة الأصل الإنساني وعز الانتماء إليه.

والحضارة مجموعة إشراقات وفيوض إبداع، يكتب بها الإنسان التاريخ، ولكن بإبداع لا يتكرر بالقدر نفسه والمقدار، وإلا فقد جوهر الابتكار وهو الخلق على غير مثال، واستكشاف جديد، وتنقية قديم من شائبة تخرج به عن معناه، وهكذا يعني الشباب الاعتزاز والابتكار واللمح والطموح والخلق والاستلهام، وانطلاقة نحو المستقبل في ثبات اليقين، كدوحة ضاربة جذورها في أعماق الأرض، لا تنال منها العواصف ولا تؤثر فيها الزوابع، شأن كل طيب أصيل أصله ثابت في الأرض وفرعه في السماء.

والتحليق في آفاق جديدة يحقق فيها الشباب ذاته الإنسانية على غير مثال، بقدر ما يسع التأثر والتأثير، والشباب لا ينبغي أن يقف مع التراث ليتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، فبدرسهما معا ولكن ليدرس الأبيض ليحيا في سلوك الأمة والبشرية جمعاء، ويدرس الأسود ليموت في ظلمته، والتكامل بين الشباب متاح اليوم بصورة محددة، ولكن من المحتمل أن يصبح أكثر شيوعا واتساعا مع استمرار حسن النية والتفاعل مع الآخر؛ لأن الشباب المتعلم الحصيف يمتحن كما يمتحن الذهب بقطعه ووضعه على النار، فكذلك عليه أن يخوض غمار الامتحان العسير ليكون في مستطاعه تقديم الإسلام كنموذج كاف وعملي، لحل مشاكل المجتمعات، والقيم بإصلاحات معينة تتمثل في النقد الذاتي، وتحت ظلال أفكار جديدة  كل الجدة بأجمل الرؤى وأروعها.

ولإثبات الذات أن يأخذ الشباب الأشياء بالعزم والعمل والحزم، ويرحم الله الشاعر الرصافي يوم أنشد قائلا:

إن الخصــال التي تسمو الحياة بها       عزم وحـــــزم وإقـــدام ومقـــتحــم

والخروج من الدائرة المغلقة لن يتأتى إلا بالتعامل بحس إنساني لكسب معركة الحياة، والخوف من الفشل، ونقل ما يرى جديرا بالنقل ويطوع ويطور أو يقبل أو يرفض، والتواصل بين التاريخ والحاضر، بين الأجيال كبيرها وصغيرها والارتحال الدائم هدف بذاته للخروج من عذاب الطريق، وكشف قناع الحقيقة الضائعة والانتقال بالتجربة الناجحة إلى أرض الواقع الإنساني، وتحقيق الاستنفار لمواجهة احتمالات المستقبل بشباب لا يمل تعب الطريق ولأواءها، وطول الأيام وسهر الليالي تماهيا مع قطار الحياة الماشي دون توقف، ليرى الإنسان أخاه الإنسان، بعين موصولة بقلب لا يحمل لأي أحد في هذا العالم ولو ذرة واحدة من الكره والبغض.

الإنسان الناضج هو الذي يتلمس طريقه إلى الناس أجمعين، وتشجيع ازدهار القيم، والتطلعات بكل أنواعها النافعة، ويسلك طريقين في وقت واحد أو في آن واحد، طريق قصير يهدف إلى إمتاع الشباب الحاضر بالثمار الحضارية العاجلة، وآخر طويل يرمي إلى تنشئة أجيال تنضج على يديها هذه الثمار لإخراج البشرية من مناخ ملوث كارثي تسمم بأفكار ماكرة لا تظهر آثارها الوبائية إلا بعد برهة من الزمن كالتسمم الغذائي، وإنما تظل عقابيلها دفينة جدران صدور أجيال متتالية، شباب يعيش لأمته وللإنسانية، يؤدي الواجب كأفضل ما يفي به الرجال الذين وضعوا في مواقع المسؤوليات التاريخية، وكأعظم ما يقوم به حملة الرسالات من الرواد بلا غموض ولا التواء.

يا قوم: الشباب كنوز مخبوءة تتأهب لتبوح بأسرارها الأزلية، والتي لا تقف عند حد أبدا كما هو الشأن عند الأمم العظيمة ذات المجد العميق، شباب يجدد روح الإنسانية، ويضخ فيها دما جديدا يجعلها ملائمة لعصرها، ومشرئبة للمستقبل بما يمكنها من ناصيته، ولا يحسب على الشباب من ليس مهموما بالحاضر والمستقبل وسبر أعماق الحياة، وتوسيع مفهوم دائرة الإبداع لنرى بشكل أصح مكانه ومكانته في عصره، ويكون حاضرا في قلب الحدث وحاضنا لشباب الإنسانية في وحدة الإحساس والمصير، ويطلق المشهد الإنساني من عقال الحاضر إلى أجواء موصولة بروح الحياة بدل زمان طال ليله، وحاضر منكوب بنصح خالصه دين وإيمان.

وأعز الناس من يحاور الطبيعة بثقة نفس بإسلامه الذي تقبل عقيدته كل تطور إنساني، وضعف الإرادة لا يصنع مستقبلا في عصر عولمة مناخها قبول الرأي والرأي الآخر لما فيه صالح البشرية، وحتى تتم تنمية مدارك الإنسان لمعرفة ذاته، وتكوينه تكوينا كاملا يجعله قادرا على الإمساك بناصية عصره، والتنمية الحقيقية هي تكوين شباب يوظف الإمكانيات البشرية والمادية والطبيعية لمواجهة الأخطار المستقبلية، واستنهاض القدرات هو الذي يحقق النجاحات المرجوة، ولكل إنسان قدرات وطاقات وإمكانات، والشباب كما الكهول والشيوخ يحملون أمانة، والأمانة يجب أن تستغل في عمارة الكون واكتشاف مكنوناته والله عز وجل زود الإنسان بالعقل والعلم وبهما ترتب الحياة، ويزرع في راحتها اخضرار ينصلح به حاضر الإنسانية، وتدارك ما فاتها وانبعاث مستقبل يستأنف به العطاء الموصول للحضارة، ويومها يحس الشباب المسلم أنه يعمل لنفسه ولأخيه الإنسان بما يرقى إلى كبرى الغايات.

والله ولي التوفيق

أرسل تعليق