Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

لا تتعد نية همتك إلى غيره

من الحكم العطائية نسبة إلى العالم الفقيه والصوفي الجليل سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري (1260-1309ﻫ) كتب الله -عز وجل- لها القبول عند عامة الناس وخاصتهم، وهي جواهر فريدة في أصول الأخلاق والسلوك ودرر تليدة في قواعد السير إلى ملك الملوك، لها من الشروح ما يند عن الحصر والعد، مغربا ومشرقا، وترجمت إلى عدة لغات.

هذه الحكمة المباركة تتغيى إناطة القلوب بخالق السموات والأرض الله الواحد الأحد، والتذكير بأنه سبحانه هو الفاعل حقا، “والله خلقكم وما تعملون” [الصافات: 96]، والعباد كلهم مهما بلغت مراتبهم قد عُجنوا في فطرتهم الأصلية على الافتقار إليه سبحانه “يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد” [فاطر: 15]، ومن أبرز مظاهر هذا الافتقار مؤقتية الإنسان، والذي مهما قوي يبقى مخلوقا مؤقتا محدودا في الزمان، ومهما عظمت طاقاته على افتراض سلامته فإنه بالغ أجلا لا ريب فيه؛ ثم إن الإنسان محدود أيضا من حيث إدراكه “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” [الإسراء: 85]، إن علم شيئا غابت عنه أشياء، وهو محدود من حيث إرادته والتي تنبني على العلم والرغبة في المعلوم، فإن انعدم أحد هذين الركنين انفسخت الإرادة، والإنسان محدود من حيث قدرته على التركيز، إن استحضر بعض المفردات في نفسه أو في الآفاق غابت عنه أُخر، وهو محدود من حيث وسعه، وقدرته على محبة الغير وقبولهم، إن قبل أناسا نفر من آخرين، ومحدود من حيث سلامة صدره وقبوله حلول النعمة بالغير، فإن قبل شيئا من ذلك رفض أشياء. فإذا تبين من خلال هذا الجرد المحدود بدوره لمظاهر افتقار هذا الإنسان أنه عاجز بمعان شتى، فكيف يُلجأ إليه بتعليق الهمة به، ورفع الحوائج إليه، وطلب قضائها، وسد المسغبات وهذا حاله؟ ويُعدل عن اللُّجئ إلى الواسع العليم، الرحمن الرحيم، اللطيف الودود، الغني الوهاب، رب كل شيء ومليكه، وهو قول الله عز وجل في أم القرءان وفاتحته “الحمد لله رب العلمين. الرحمن الرحيم. ملك يوم الدين. إياك نعبد وإياك نستعين” [الفاتحة: 1-5]، فهو سبحانه المعبود والمستعان بحق.

 حين تشرق في القلوب أنوار هذه الحكمة، تطلع على أصحابها شمس الاستغناء بالله عن غيره، ويُطفق بالنظر إلى العباد باعتبارهم حجبا إما بخير أو بدونه، قائمة بينهم وبين ربهم، أو قائمة لهم بين يدي الله وهو قول العارف مولاي عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم إنه سرُّك الجامع الدالُّ عليك، وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك” [الصلاة المشيشية]، ويتجلى ذلكم المفهوم للعبادة والذي مفاده السلوك إلى الله من خلال عباده، إحسانا لأولئكم الذين يشكلون حجاب الدون أو توقيا منهم، واتباعا للذين يشكلون الحجاب الدال واستمدادا منهم دون أن يزيغ البصر أو يطغى عن القدوس الواحد الصمد، لا للمحة ولا لنفَس.

إن الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله في هذه الحكمة، يؤسس هذا اليقين في القلوب من خلال مفاصل خمسة:

أولها: دوام استحضار المعبود جلَّ وعلا وعدم الغفلة عنه.

ثانيها: غِناه تعالى ورحمته، وكونه بمخلوقاته حفيا.

وثالثها: عجز الخلائق المُنبني على محدوديتهم.

ورابعها: أن الانشغال بالفقير عن الغني من أعظم الغفلات.

وخامسها: أن العباد إن ضيعوا فلا ملامة إلا عليهم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. “يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أَحْفَظُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ” [حديث قدسي].

والله الهادي إلى سواء السبيل.

الأمين العام

                                                            للرابطة المحمدية للعلماء

التعليقات

  1. أنور محمد أنور مصر العربية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن للحكم العطائية أكثر من شرح نتصفحه في الكتب الورقية أو على الصفحات الإلكترونية؛
    لكن أستاذ إن لشرحكم جاذبية وسهولة على القارئ لكي يستوعب الدرس في أعماقه، وإني أنتظر المزيد من شرح الحكم العطائية بقلمكم.
    ومع الشكر الخالص

  2. محمد الريسوني

    نشكر السيد الأمين العام على هذا التوضيح القيم
    وننتظر لكم عبر جريدتكم الموقرة المزيد من العطاء.
    كما نشكر الطاقم الساهر على إنجاز هذا العمل.

  3. مسلمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    موضوع جيد جزاك الله خيرا عليه.
    .

  4. نوال الزاكي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اشكر سيادة الأمين العام على هذه الشروح التي نعتبرها دروسا في حياتنا اليومية، فحكمة هذا العدد تعلمنا منها التوكل على الله في سائر أعمالنا لا على غيره، كما أن للتوكل على الله ثمار وهي:
    ثمار التوكل:

    1. تحقيق الإيمان: قال الله تعالى: "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"؛
    2. طمأنينة النفس وارتياح القلب وسكونه؛
    3. كفاية الله المتوكل جميع شئونه: لقوله تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه". قال ابن القيم أي كافيه ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا بأذى لا بد منه: كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فلا يكون أبداً…
    ،

  5. سابل محمد خير

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    زادكم الله نور وفتح عليكم؛
    وجزاكم الله عنا خير.

أرسل تعليق