Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

تعليق واحد

شيوخ التربية..

      2. تحقيق الوحدة الوطنية

      في هذا المقال سنعالج دورا من بين الأدوار الهامة التي قام بها الصوفية، والتي كان لهم فيها الحظ الوافر والسعد الفاخر، وهي: جهودهم في تحقيق الوحدة الوطنية، ونبذ كل أشكال التفرق والتمزق.

      وقبل الحديث عن أهمية الوحدة الوطنية، سنحاول تعريف هذا المفهوم، تعريفا يُقرب معناه إلى الأذهان، فالوحدة الوطنية هي: “تلك القيم والثوابت المشتركة التي تجمع الشعب الواحد، والتي يجب على السلطة والمجتمع الحفاظ عليها، مع التطلع للمستقبل، وكذا ضمان كل أسباب ترابط المجتمع وتماسكه وأمنه واستقراره دينيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا”.

      فهذا المفهوم شامل وواسع بحيث أن الوحدة تشمل جميع القيم والثوابت التي تجتمع عليها الأمة، على امتداد تاريخها العريق، من موروث حضاري وروحي كبير، ومثال ذلك في مجتمعنا المغربي: العقيدة الأشعرية، المذهب المالكي، والتصوف السني على منهج الإمام الجنيد، إمارة المومنين، ووحدة الأراضي المغربية.. وهنا يبرز دور السلطة والمجتمع على حد سواء في ضرورة الحفاظ عليها، والسهر على عدم المساس بها، مع مواكبة الركب الحضاري والمجتمعي الذي تشهده الساحة العالمية، لكن بشرط عدم الانسلاخ عن الثوابت والمرتكزات. مع ضمان كل ما من شأنه أن يجعل المجتمع يعيش في استقلال وأمن وطمأنينة واستقرار وازدهار. وقد بنى أمجاد المغرب مشاهير من الصوفية حفظ لنا التاريخ أسماءهم، حيث دافعوا بكل استماتة وبسالة عن وحدته الترابية، وأروا العدو أياما عصيبة، ومحنا وبلايا عظيمة، واعتمد الصوفية عدة استراتيجيات للدفاع عن حوزة البلاد وضمان استقراره وأمنه في مواجهة التدخل الأجنبي، منها:

      أ. الدعوة إلى التوحد وحقن الدماء

      إن أساس كل نجاح وفلاح هو توحد الكلمة ووحدة الصف، وقد أولت الشريعة الإسلامية لهذا الأصل الأصيل والركن المتين ما يستحقه من العناية التامة والبالغة، فأوجبت على المسلمين التعاون والتراحم فيما بينهم، وإزالة الفوارق والعوارض وكل ما من شأنه أن يشوش على هذه الوحدة، يقول الله عز وجل: “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” [المائدة، 3] وقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ” [الصف، 4].

      قال المبرد: “هو من رصصت البناء إذا لاءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة”[1]، وهذا التراص الظاهري هو عنوان التراص الباطني القلبي، فبدونه لا يجيء من المسلمين شيء، فكيف سيتعاون من في قلبه حقد وضغينة لأخيه؟! لأن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أتى بعده من الربانيين إنما يُقاتلون بقوة الإيمان، وليس بالاعتماد على العَدد والعُدد، والدليل على ذلك أنه في غزوة مؤتة اندهش المسلمون من عدد وعتاد الروم الذي بلغ مائتا ألف مقاتل، بينما عدد المسلمين لا يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل، وقال الصحابة لابن رواحة: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له، فقال عبد الله بن رواحة قولته الخالدة: “يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا؛ فإنما هي إحدى الحُسنيين، إما ظهور وإما شهادة”[2].

      ومن كمال الإيمان أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، ومن هذا المنطلق ركز الصوفية على التحقق بهذا الأصل، والدعوة إليه، وكمثال على ذلك دعوة الشيخ ماء العينين جميع الناس بمختلف طبقاتهم ومشاربهم إلى التآخي ونبذ كل فُرقة واختلاف يقول رحمه الله[3].

          إني مخاوي لجمـع الطرق         أُخوة الإيمان عند المتـقي

          ولا أفــــــــرق لـــلأوليـــــاء         كمــــن يفـــــرق للأنبيـــاء

 يُتبع..

——————————————————–

  1. الجامع لأحكام القرآن، 9/329.

  2. السيرة النبوية، لابن كثير، 407.

  3. مفيد الراوي على أني مخاوي، الشيخ ماء العينين، تحقيق: محمد ضريف، مؤسسة الشيخ مربيه ربه لإحياء التراث والتبادل الثقافي، ط1، 1999م. ص: 44.

التعليقات

  1. سميرة

    معك حق أستاذ فالأمة في هذه الآونة الراهنة في حاجة ماسة الى وحدة تآلفية وانسجام حتى تتحقق وحدة الكلمة مصداقا لقوله عز وجل: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [المائدة، 3].

أرسل تعليق