Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

شيوخ التربية.. المهام والفاعلية في المجتمع المغربي

      1- التزكية والتربية

      د. تكوين فرد صالح مُصلح داخل مجتمعه

      أعطى الصوفية النموذج الأمثل للفرد الصالح المُصلح الذي يكون له الأثر الواضح ليس فقط على نفسه بل يتعدى ذلك إلى مجتمعه عبر القدوة الصالحة، من قبيل: المساهمة في بناء المجتمع على أسس أخلاقية راقية ومتينة؛ لأن الأخلاق أساس بناء الحضارة وتقدم البشرية نحو مستقبل أفضل، يقول الشاعر أحمد شوقي:

          كذا الناس بالأخلاق يبقى صلاحهم     ويذهب عنهم أمرهم حين تذهب

      فالصلاح والإصلاح مرتبطان ارتباطا وثيقا بالأخلاق، فالرسل عليهم الصلاة والسلام كان منطلقهم الإصلاحي هو الاهتمام بالجانب الأخلاقي، وكذا دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: “بعثت لأتمم حسن الأخلاق”[1]. ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى مدح نبينا صلى الله عليه وسلم بأعظم مدح، وأبلغ وصف، وهو وصف الخُلق، ولم يمدحه بوصف آخر إلا وهو تبع لذلك الوصف، قال تعالى: “وإنك لعلى خلق عظيم” [القلم، 4].

      واعلم أن الأمة إذا تخلت عن هذا الوصف، فهو إيذان بخرابها ومؤشر على هلاكها، وسهم أجهز على مقاتلها، وقد صدق أحمد شوقي إذ يقول:

          إنما الأمم الأخلاق ما بقيت    فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

      ويقول أيضا:

          وإذا أصيب القوم في أخلاقهم       فأقم عليهم مأتما وعويلا

      فالصوفي هو الذي يُعمل جهده على أن يكون من السباقين للخير والعمل الصالح والارتقاء في الكمال الخلقي، ويجعل مصلحة مجتمعه ومحيطه من أولى أولوياته.

      وفيما يلي قصتين كنموذج نستدل بهما على مدى جمالية أخلاق الصوفية والمكانة العالية التي يحتلونها في تعاملهم مع غيرهم ومحيطهم، ومدى تعظيمهم واحترامهم للغير، وهي قصة أبي صالح حمدون القصار مع أحد ضيوفه، قال أبو صالح لأحد أصدقائه: “أذنبت ذنبا أبكي عليه منذ أربعين سنة، وذلك أنه زارني أخ لي فاشتريت بدانق[2] سمكة مشوية، فلما فرغ أخذت قطعة طين، من جدار جار لي، حتى غسل يده، ولم أستحله”[3].

      وقصة عبد الله بن المبارك فقد سَيَّب دابة قيمتها كبيرة، وصلى الظهر، فرتعت الدابة في زرع قرية سلطانية، فترك ابن المبارك الدابة ولم يركبها[4].

      فهذه زبدة وثمرة التربية الصوفية، فهم يخافون من عواقب شيء صغير هيِّن لا يُقام له وزن، فضلا عن اقتحامهم لما هو أعظم، مما يدل على شدة محاسبتهم لأنفسهم، ومقارعتها على النقير والقطمير، ومن كانت هذه أوصافه فهو بحق مضرب الأمثال، وعين القدوة الصالحة والأسوة الفاضلة.

      فالتصوف يساهم في تخليق الحياة الخاصة وكذا الحياة العامة، فهو يضخ في حياة وروح الإنسان معاني الطمأنينة، ومعاني الجمال والقيم النبيلة، ويحد من تهافت النفس وراء إشباع رغباتها ونزواتها غير المشروعة، والتي تضر بمستقبلها؛ وقد يتعدى ذلك الضرر إلى مستقبل الإنسانية جمعاء سواء في العاجل”الدنيا” أو الآجل “الآخرة”، نحو تأسيس حضارة روحية متميزة، ترتقي بنا من درك البهيمية إلى أفق الروحانية الأخاذة والاطمئنان القلبي والسعادة الحقيقية.

يتبع..

————————————————————

  1. موطأ الإمام مالك، كتاب حسن الخلق، باب: “ما جاء في حسن الخلق”، رقم الحديث: 8، ص: 479.

  2. الدانق لفظة فارسية، جمعها دوانق ودوانيق، وتعني سدس الدرهم.

  3. الرسالة القشيرية، 113.

  4. نفس المصدر.

التعليقات

  1. عبد الله متوكل

    وقد أحسن أبو العتاهية في قوله:

    ليس دنيا إلا بدين وليس الدين إلا مكارم الأخلاق
    إنما المكر والخديعة في النار هما من فروع أهل النفاق
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "جَعلَ اللهُ سُبحانَهُ مَكارِمَ الأخْلاقِ صِلَةً بَينَهُ وبَينَ عِبادِهِ، فحَسْبُ أحَدِكُم أنْ يَتَمسّكَ بخُلقٍ مُتَّصِلٍ باللهِ". (تنبيه الخواطر: ج2، ص122. ميزان الحكمة: ج3، ص1082، ح5063).

  2. عبدي

    شكرا لكم على المقالة
    موضوع التخلق يكتسي أهمية قصوى فعليه العمدة في كل المجالات.. وبالتالي فإن الذين أسندت لهم مهمة التخليق هم الأقدر على تفعيل مضامين هذا الإصلاح مساهمة منهم في النهوض بالأمة وإخراجها من حال إلى حال أحسن منه..

أرسل تعليق