Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دعاء يوسف عليه السلام.. (2)

دعاء يوسف عليه السلام.. (2)

يقول الله عز وجل تقدست أسماؤه: “رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الاَحاديث فاطر السماوات والاَرض أنت ولي في الدنيا والاَخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين” [يوسف،101].

ختم الله تعالى قصة يوسف عليه السلام بدعاء يناجي من خلاله هذا النبي الكريم ربه عز وجل بقوله: “رب قد اتيتني من الملك وعلمتني من تاويل الاَحاديث فاطر السماوات والاَرض أنت ولي في الدنيا والاَخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين” [يوسف، 101]. لقد سيق هذا الدعاء بعد أن تبين يوسف مآل الرؤيا التي رآها في المنام[1]؛ لأنها أصبحت ماثلة في عالم الشهادة ومجسدة في عالم الواقع المحسوس لقوله تعالى: “فلما دخلوا على يوسف ءَاوى إليه أبويه و قال ادخلوا مصر إن شاء الله ءَامنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رءْياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن ربي إذ اَخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم” [يوسف، 99-100].

يتضمن هذا الدعاء اعترافا بنعم دنيوية وأخروية. فالنعم الأخروية نعمتان:

الأولى: هي نعمة الولاية والنصر لقوله تعالى: “أنت ولي في الدنيا والاَخرة“، أي كن وليي وناصري في الدنيا والآخرة.

الثانية: نعمة الدين الحق المعبر عنه بالإسلام لأنه الطريق الموصل للصلاح لقوله تعالى: توفني مسلما وألحقني بالصالحين“. وقد سبق ليعقوب أن وصى ولده كما في قوله تعالى: “ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” [اَل عمران، 102].

أما النعم الدنيوية فذكر نعمتان:

الأولى: نعمة الولاية على الأرض لقوله تعالى: “رب قد اتيتني من الملك“. فقد أعطى الله تعالى بعضا من الملك ليوسف[2].

والثانية: نعمة العلم، إذ كان يوسف عليه السلام قادرا على تأويل الأحاديث[3]. وقد استدل بواقع تمكينه في الأرض واجتماعه مع أبويه وإخوته على ما رآه في منامه. ومن ثم إن المقصود بتأويل الأحاديث هو ما عبر عنه الإمام بن عاشور رحمه الله: “إرجاع الحوادث إلى عللها و أسبابها بإدراك حقائقها على التمام… وذلك بالاستدلال بأصناف الموجودات على قدرة الله وحكمته[4].

بعد تقديم يوسف علي السلام بين يديه باستحضار هذه النعم التي أنعم الله بها عليه تضرع إلى الله تعالى بقوله: “توفني مسلما وألحقني بالصالحين” [يوسف، 101]، أي ألحقني بك يا رب وأنا مسلم من الصالحين. وقد أسهب الرازي في تعليل ذلك حتى قال: “لتمني الموت أن الخطباء والبلغاء وإن أطنبوا في مذمة الدنيا إلا أن حاصل كلامهم يرجع إلى أمور ثلاثة: أحدها أن هذه السعادات سريعة الزوال مشرفة على الفناء، والألم الحاصل عند زوالها أشد من اللذة الحاصلة عند وجدانها. وثانيها أنها غير خالصة بل هي ممزوجة بالمنغصات والمكدرات.

وثالثها: أن الأراذل من الخلق يشاركون فيها، بل ربما كان حصة الأراذل أعظم بكثير من حصة الأفاضل. فهذه الجهات الثلاثة منفرة عن هذه اللذات، ولما عرف العاقل أنه لا سبيل إلى تحصيل هذه اللذات إلا مع هذه الجهات الثلاثة المنفرة لا جرم يتمنى الموت ليتخلص من هذه الآفات”[5]..

————————————————-

1. وقعت الإشارة إليها في بداية سورة يوسف في قوله تعالى: “إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رءْياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان كان للاِنسان عدو مبين” [يوسف، 4-5].

2. وذلك بحسب أحد معنيي الملك: أولهما أن المقصود بالملك هنا التصرف العظيم الشبيه بتصرف الملك إذ كان يوسف هو الذي يسير الملك برأيه. وهكذا إن ما أوتيه بعض من جنس الملك إشعارا بأن ذلك في جانب ملك الله شيء قليل. والمعنى الثاني للملك المعنى الحقيق للملك ويكون التبعيض حقيقيا، أي آتيتني بعض الملك؛ لأن الملك مجموع تصرفات في أمر الرعية، وكان ليوسف عليه السلام الحظ الأوفر من ذلك. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير ج: 13، ص: 59.

3. ذهب بعض المفسرين إلى القول بأن المقصود من تأويل الأحاديث هو تعبير الرؤيا، سميت أحاديث لأن المرائي يتحدث بها الراؤون.

4. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 12، ص: 216.

5. الرازي، مفاتيح الغيب ج: 18 ص: 181. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “يريد إذا توفيتني فتوفني على دين الإسلام، وليس في هذا ما يدل على طلب الوفاة” المصدر نفسه، ج: 18 ص: 180.

 

أرسل تعليق