Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

جدلية العلاقة بين مقاصد الشريعة وحقوق الإنسان.. (3)

الطريقة الثانية التي ذكرها الإمام الشاطبي لحفظ الضروريات وهي: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.

وتفسير ذلك أن تشريع النهي عن المنكر ضروري لتحقيق مقاصد الشرع الضرورية، فهي ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم، أي من جانب التعريف بالحرمات والمنهيات.

والعبادات والعادات قد مثلت، والمعاملات ما كان راجعا إلى مصلحة الإنسان مع غيره كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الإبضاع.

والجنايات: ما كان عائدا على ما تقدم بالإبطال فشرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال، ويتلافى تلك المصالح، كالقصاص والديات للنفس، والحد للعقل، وتضمين قيم الأموال للنسل والقطع والتضمين للمال وما أشبه ذلك، ومجموع الضروريات خمسة: وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وقد قالوا إنها مراعاة في كل ملة.

 القسم الثاني: أن تكون حاجية

في هذا القسم يتحدث الإمام الشاطبي عن مقاصد الشرع الحاجية، فهي أقل رتبة من الضروريات؛ لأنها في مقام الحاجة وليس الضرورة، “فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين على الجملة الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة. وهي جارية في العبادات والعادات والمعاملات والجنايات[1].

فالمقاصد الحاجية هي: حقوق الإنسان التي تشرع له حتى لا تلحق به المشقة، وهي على أنواع، ففي العبادات: كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقة بالمرض والسفر، وفي العادات: كإباحة الصيد والتمتع بالطيبات مما هو حلال، مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا، وما أشبه ذلك..

وفي المعاملات: كالقراض والمساقاة والسلم وإلغاء التوابع في العقد على المتبوعات كثمرة الشجر ومال العبد، وفي الجنايات: كالحكم باللوث والتدمية والقسامة وضرب الدية على العاقلة وتضمين الصناع وما أشبه ذلك.

والقسم الثالث من المقاصد التي تسعى التكليف الشرعية تحقيقها فهي:

التحسينات: فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق، وهي جارية فيما جرت فيه الأوليان.

ففي العبادات: كإزالة النجاسة وبالجملة الطهارات كلها، وستر العورة، وأخذ الزينة، والتقرب بنوافل الخيرات، من الصدقات والقربات، وأشباه ذلك.

وفي العادات: كآداب الأكل والشرب، ومجانبة المآكل النجاسات، والمشارب المستخبثات، والإسراف والإقتار في المتناولات.

وفي المعاملات: كالمنع من بيع النجاسات، وفضل الماء والكلأ، وسلب العبد منصب الشهادة والإمامة، وسلب المرأة منصب الإمامة، وإنكاح نفسها، وطلب العتق وتوابعه من الكتابة والتدبير وما أشبهها.

وفي الجنايات: كمنع قتل الحر بالعبد، أو قتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد، وقليل الأمثلة يدل على ما سواها مما هو في معناها، فهذه الأمور راجعة إلى محاسن زائدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية، إذ ليس فقدانها بمخل بأمر ضروري ولا حاجي، وإنما جرت مجرى التحسين والتزيين”[2].

هذه قراءة لمقاصد الشريعة، ولو قورنت بأي ميثاق لحقوق الإنسان لكانت أشمل منه وأفضل، وهذا لا يعني رفض المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وإنما بيان أن الإشكالية ليست في النصوص الشرعية أو المواد القانونية، بقدر ما هي خلل في التدين عند المتدينين والمسلمين، أو خلل في تنفيذ المواثيق الوطنية والإقليمية والدولية لحقوق الإنسان، كل في موقعه وتحيزه.

يتبع في العدد المقبل..

———————————–

1. الموافقات، الشاطبي، 2/8.

2. الموافقات، الشاطبي، 2/8.

أرسل تعليق